الأربعاء، 22 مايو 2013

إلي بيدك يا مخلص...


في ظهيرة يوم الثلاثاء...
تلك الظهيرة التي كانت مشاعرها مختلفةً في نفسي....
لاحظت ورود رسالة لهاتفي عبر خدمة الواتساب...
كانت مرسلة من مخلص يسأل فيها عني ويطلب مني لقائه...
استغربت غاية الإستغراب من الأمر...
لم يكن سبب استغرابي هو ظني أن مخلص تحول لإنسان متبلد الإحساس تجاه من حوله، بعكس ما أن مثار استغرابي كان منصبًا على صمته الذي عرفته فيه...
صمته الذي آخيتُه فيه...
صمته الذي رافقته فيه...
صمته الذي عشته معه طيلة سنواتنا...
ذلك الصمت الكبير الذي حرك مخلص ركوده القديم فجأةً...
برسالةٍ واحدةٍ فقط...
بكلماتٍ قليلةٍ فقط...
بل بصوت تنبيه رسالة واحدة...
((كيف حالك يا أخي...إن ناسبك أن نلتقي هذا المساء سأكون بانتظارك))

أتراني يا مخلص قادرًا أن أُبقيَ ذاكرتي المضطربة مستقرةً لسويعاتٍ من الوقت ريثما يحينُ انتظارك المرتقب، دون أن تثير أسئلة لقائنا الطارئ الذي جاء وسط سديم استغرابي ليظل صمت خيباتك مؤججًا له...

حل مساءُ لقائنا يامخلص...
ذلك المساء العاتم الذي كنت خلاله جالسًا في مقهى خلوتي الصاخب بصوت متكلمين وصمت متأملين...
لقد كنت أحد أولئك المتأملين...
بل كنت الوحيد المتوحد فيهم الذي مارس تأمله وهدوئه  وشروده وهروبه عن كل الأشياء انتظارًا للقائك الذي يحمل كثيرًا من الأشياء..
جائني رنينُ اتصالك قبل صوتك ليجدد حنين لقاءاتنا القديمة فيما مضى من سنين...
طلبت مني انتظارك عند المقهى...
شعرتُ بتأنيب أُخوةٌ ثار في نفسي فجأةً حيال  قدومك من بيتك وما يحمله ذلك من مشقة وتعب، لم أكن راغبًا أن تعايش شعوره وكنت أنا قد تعودت وتكيفت على معايشة شعوره في كل مرةٍ آتي لبيتك بُغية رؤيتك والحديث معك دون اخبارك بقدومي، كان غايتي ومقصدي إدخال السرور والبهجة لقلبك الحزين...
أجدك حينئذ إما خارج البيت منشغلًا في عملك لتهرب معه من زحام الحياة والبشر...
عملك الذي مهما بدى إرهاقه الجسدي كبيرًا، إلا أنك تراه أرحم من إرهاق نفسي سببه وجعك من الحياة وخيبتك من البشر...
و إما أجدك غارقًا في نومٍ تهرب خلاله أيضًا من وجعك من الحياة وخيبتك من البشر...

لم يكن أيٌ من الحالين ليسببا ضيقًا أو حنقًا في نفسي يا مخلص لأني أعلم أن الصامتين تبقى لهم حياةٌ خاصةٌ جدًا تختلف عن حياة المتكلمين...
كنت أشعر بالفرح والسرور العارم في كل مرة أجد فيها عناء طريق أو تعب نفس لدى ذهابي للقائك مصطحبًا معي معرفةً مسبقةً بنتيجة اللقاء، لست أنا من قررت خوض هذا الأمر وما يحمله من انتظارٍ طويل وحيرةٍ أطول، بل كان قلبي الذي أحبك بصدق هو من قرر خوض ذلك الأمر...

في مساء لقائنا يا مخلص وأثناء إتصالك بي بقيت تعتذر لي بعمق عن تأخرك بالمجيء بسبب زحام الطريق وكنت قبل وأثناء بل وبعده أيضًا أختلق له...
أعذار لا تنتهي...
أعذار لا تنمحي...
أعذار لا تنجلي...
أعذار لا تنزوي...
أعذار وأعذار مهما سبقها من طول انتظار...
جئتني وفي عيناك ملئُ الحياة تعبًا...
جئتني وفي عيناك ملئُ الحياة وجعًا...
بل جئتني وفي عيناك ملئُ الحياة صمتًا...




الصديق الحقيقي، هو من لا يكف عن تلمس الأعذار لصديقه.
أجملُ العيون هي تلك التي تلمعُ فيها عفويةُ المشاعر..مشاعرُ حبّ..مشاعرُ اعتذار..وما أقساها لو كانت مشاعر احتضار حيال أقدار لا تعرف الإنتظار.

أقفلت سماعة هاتفي دون أن أقفل معها سيلًا من التخيلات لصور...أفكار...مشاعر...أصوات لقائنا الوشيك وأيضًا أوقاته التي ستصبح بعد حين في عداد ماض تحيكه ذاكرتي لتنسجه كثوب ذكريات قد لا يصلح إرتداؤه في زمن باتت فيه كثيرٌ من الأشياء غريبةً...

خرجتُ من مقهى خلوتي أسيرُ مسرعًا صوب المكان الذي اعتدت أن تركن فيه سيارتك...
لقد سبقت خطوات أقدامي نبضات قلبي في ذلك الوقت...
لم أجد سيارتك حينئذ موجودةً بالتأكيد لأنك اعتدت القيادة ببطئ أو القيادة بهذيان، تمامًا مثل ذلك الإنسان الذي يسير في درب حياة مؤلم لا تعرف ذاكرته معنى النسيان...
سويعاتٌ من انتظاري لك جائني خلالها رنينُ اتصالك...
أبصرتك أثنائها عيناك الشاردتان وهما تبحثان عن مكان توقف...
سارت خطواتي ونبضاتي يتسابقان نحوك حتى توقفت عند نافذة سيارتك...
أشرتُ لك بهاتفي الذي ما زال رنين اتصالك ينبضُ فيه...
نظرت لي بملئ أشياء كثيرة وأحزان سكنت واختبئت في عينيك يا مخلص...
ابتسمتُ لك ابتسامة شوق كبير ولهفة أكبر...
فتحت النافذة لتبادرني قائلًا بضحكة عفوية:
هل كنت تراقبني...
أجبتك بنفس مشاعر ضحكتك العفوية:
بل كنت أتحسس مجيئك...
أتحسس وجودك أيها الأخ الغالي...

ساد صمتٌ هادئٌ بيننا حينئذ يا مخلص...
سألتني بحيرة:
إلى أي مكان ترغب أن نذهب إليه يا خالد؟
أجبتك بنفس تساؤلات الحيرة التي تملئك: ما الشيء الذي ترغب محادثتي فيه يا مخلص؟
ارتسمت الإبتسامات الحائرة على ثغورنا من جديد...
تنهدت قليلًا يا مخلص قم واصلت قائلًا:
يبدو أنك جائع...مارأيك أن نذهب سويًا لتناول العشاء؟
أجبتك: كما تشاء أيها الأخ العزيز...

في السيارة....
لم أكن أنظر لصمتك الذي اعتدته فحسب...
بل كنت أنظر لطريقة قيادتك في شوارع الرياض والتي تشبه طريقة قيادتي...
قيادةٌ شاردة ومتلعثمة وهاذية كشرود وتلعثم وهذيان النفس التي يشغل ذاكرتها أشياء وأشياء تفقد خلالها التركيز والسيطرة  والشعور النفسي في مدينة صاخبة وغامضة كمدينة الرياض...

في الرياض أشياءٌ لم تكتب بعد...وجوهٌ تُعلمك الإلتفات إليها كثيرًا...عيونٌ تُعلمك التحديق فيها كثيرًا...
أرواحٌ تُعلمك الإنصات لها كثيرًا...وصمتٌ يعلمك مناجاته أكثر فأكثر.

في تلك الأثناء كنا نحاول ابتداء شيئ ما...خلق حديث ما...
بدأت كلامك لي بحيرة متبعثرة:
أي مطعم تراه مناسبًا لنأكل عنده يا خالد؟
أجبتك بحيرة متبعثرة أيضًا:
لست أدري...ما يناسبك يناسبني يا أخي...

أثناء لحظات سيرنا دون وجهة محددة وأثناء لحظات حيرتنا في الإختيار الذي تشاركنا فيه أشياء أخرى غير الحيرة كالصمت والشرود والتشتت...
دخلنا دون تخطيط مسبق ذلك الشارع العتيق الغارق والمختبئ في أحد حارات وبين أزقة حي السليمانية...
ذلك الشارع الذي تتزاحم في جنباته وباحاته محلاتٌ ودكاكين كثيرة تهت معها في مسارب خيالاتي الواسعة...
كنت أشتم فيها رائحة الزيت النقي والزيتون الأخضر والزعتر البري...
جميعهم كانوا يجسدون معاني شيء واحد كان اسمه((فلسطين))...
((فلسطين)) ذلك الجُرح الغائر في جسد عروبتنا وإسلامنا...
((فلسطين))ذلك الجُرح النازف من جبين عروبتنا وإسلامنا...
واصلاحاه...
واصلاحاه...
واصلاحاه...
هل وصل بنا خذلاننا يا مخلص إلى حد تمني خروجه من مثواه ليحرر قدساه...أرض المحشر والمنشر...

في غمرة الخيال الذي حلقت فيه توقفنا صدفةً عند ذلك المطعم...
أبصرتك وأبصرت عيناك التي كانتا تحملقان فيه باندهاش كبير...
لقد كانت واجهته قد ذكرتك بمدينتك الجريحة((حماه))...
تلك الواجهة التي كان مرسومًا عليها نواعير مدينة ((حماه)) وأجزاء أخرى من خضرتها الغناء...
أحسست بشلل الحزن الذي كان يمارس اختبائه في مشاعرك وجوارحك بكل لؤم يا مخلص...
كنت أنا الوحيد ربما الذي شعر بعمق جرح ((حماه)) فيك...
كنت أنا الوحيد ربما الذي عرف نوبة الألم التي تعتريك دون سابق انذار أو اخطار حينما يتعلق الأمر ((بحماه))...
ذلك الجرح الذي كان وما يزال ولا أدري هل سيبقى يحفر فيك آلامه وأوجاعه أيها الأخ العزيز...
تلك اللحظة حاولت صادقًا أن أنتشلك من أمواج حزنك التي ما فتأت تلطمك دون رحمة أو شفقة...
لقد تحول صمتك يا مخلص من شيء عادي إلى راهب لا يتوقفه عن ممارسة طقوس رهبانيته حتى نسي كل شيء يمت للحياة بصلة...
بات كل شيء فيك يا مخلص يتحدث صمتًا ويسمع صمتًا ويرى صمتًا...

عندئذ ربتت يدي على كتفك بكل إشفاق الأخوة وكل عطف الصداقة...
ترجلت من السيارة...فتحت بابك...مددت يدي لك ثم أسندتك على كتفي ومضينا نسيرُ للمطعم...
كنت أعلم طبيعة الشلل اللحظي التي أصابتك في تلك اللحظة وأسكتت كل مافيك بسبب صورة وشيء أعاد لك ذكريات ماض ((حماه)) المؤلم والموجع...
لقد جئت لهذه الحياة يا مخلص في نفس العام الذي اجتاحت فيه قوات البعث الغاشمة مدينتك ((حماه))...
لقد جئت لهذه الحياة يا مخلص في نفس العام الذي قُتل فيه كثيرٌ من أهل بيتك...
لقد جئت لهذه الحياة يا مخلص في نفس العام الذي أُسر فيه كثيرٌ من أهل بيتك...
لقد جئت لهذه الحياة يا مخلص في نفس العام الذي شُرد فيه كثيرٌ من أهل بيتك...
لقد جئت لهذه الحياة يا مخلص في نفس العام الذي كنت تتمنى أن يكون مولدك في مدينتك ((حماه))...

لقد كنت أتحاشى يا مخلص في كل مرة ألقاك فيها مجرد الحديث عن أحداث الثورة السورية...
لأني كنت أعلم أن أشواك حزن كانت ستنمو تلقائيًا على ثغرك الذي عهدته دومًا باسمًا متفتحًا رغم أغصانه النامية بصمت...

أقسى المشاعر حينما يتعرفُ الإنسان مُتأخرًا على آلام واجهت حياة صديقه، الذي ظل يعضُ على حبال سكوته لرسم ابتسامة أمل، كقائد أوركسترا لا يشكو تعب مسك عصاته وتحريكها، غايته في ذلك أن يكون أداء فرقته رائعًا.

لا زلت أذكر يا مخلص حينما كنا جالسان نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث ونرمي بأمنياتنا حينما تعود لوطنك ((حماه))...ذلك اليوم الذي كنت أخبرك فيه أن أكتب شيئًا لأجلك...
شيءٌ يختلف عن أي أشياء كتبتها قبلًا لك...
شيءٌ أشاركك فيه شيئًا من حبّ مدينتك ((حماه))...
أخرجت قلمي النازف و ورقي الذابل فكتبت لمخلص حماه:

يا مدينةً كانت تغفو على خرير نواعيرها...
يا مدينةً كانت تهيمُ في سحر خضرتها...
يا مدينةً قد عرفت كيف تصنع من الثأر شرفًا بعد عبادة موت طال أمدها...
موتٌ امتد لكل من سكن قلبك...
موتٌ امتد لكل من ارتشف هوائك...
موتٌ امتد لكل من أدمن صوتك...
يا لغرابة صبر سنينك على إرث إنتقام ظلت غصات ماضيه عالقةً في ذاكرتك...
بل يا لغرابة هذا العالم حين يحاول عبثًا تغافل تاريخ قمعك العميق...
بل يا عروس ماض جميل...
هات يديّك واطلق عنانًا لجوارح أرض فاتنةً  ترغب برقص لا يتوقف...
رقصُ حياة ينفضُ غبار الموت عن جسد ظل هادئًا...
ارقصي يا حماه كما لم ترقصي...


ارقصي على ألحان نواعير تنغمس في مائك...
ارقصي على أشجان حمائم تحلق في سمائك...
ارقصي أيها الملاك الحالمُ الجميل رقص ثأرك...
ففي رقص ثأرك طمسٌ لعبوديتك وميلادٌ لحريتك...
ارقصي كما لم ترقصي قبلًا وكما لم ترقصي بعدًا...
أنهيتُ كتابتي عن ((حماه)) ثم سلمتك الورقة بكل الود والحبّ الأخوي لك والذي سكن قلبي...
إخلاصًا ووفاءًا لك ولمدينتك((حماه))...
لقد رأيت حينئذ بريق السعادة يلمعُ في عينيك...

وصلنا لعتبة باب المطعم...
كنت أشعر أنك ترمي بثقل أحزانك على كاهلي الذي كنت تبحث قبل معرفتنا ببعضنا عن كاهل أخ وصديق ترمي عليه أحزانك الثقيلة جدًا...
لقد كنت تبكي حينها بحرقة صامتة وغريبة...
لم أكن أتوقع أن السبب كان يتعلق ((بحماه)) فقط...
بلى...بلى...بلى
لقد نسيت لوهلة أنه هناك شيئًا آخر قد يكون هو سبب بكائك بلاشك والذي جعلك تطلب لقائي فجأةً...
كانت الطاولات فارغةً والمكان خال من أي زبائن...
ماذا دهى شباب مدينة الرياض في تلك الليلة...
لقد اعتدت دومًا رؤيتهم وهم يمارسون زحاهم على طاولات المطاعم...
هل جفى الجوع بطونهم في تلك الليلة...
أم أنهم أرادوا إشباع جوع آخر بطريقة أخرى متجسدة في تجولهم على قوارع شارع التحلية...
ذلك الشارع الذي ما فتئت ذاكرة تذوب وتذوب في تأمل مشاهد لهو وإستعراض الشباب الفارغ بالسيارات والدبابات وملاحقة الفتيات...





كانت عقارب الساعة تشير إلى منتصف الليل...
انتصف الليل وكان خوفي عليك يا مخلص يوشك على الإنتصاف...
لقد بدأت تسترد ذهنك شيئًا فشيئًا بعد نوبة الحزن التي اعترتك فجأة...
وما زلت أنتظر منك كلمات تذهب عما في نفسي من قلق عليك...
كنا جلوسًا وحدنا على طاولة الطعام...
جلست أفكاري ومشاعري ترقبُ عن كثب ما يدور في نفسك...
لم أنتظرك حينئذ حتى تبادرني بالحديث...
كنت أعلم يقينًا أنك تنتظر مني في كل لقاء إلقاء خيط الكلام لتتشبث بطرفه ثم تمارس بعده ما يسكن نفسك من بوح وشكوى وأنين...
وخزت قلبي أشواك الشك أن الأمر متعلقٌ بورشة الحدادة التي استندت المال من هنا وهناك لشراء معداتها وآلاتها ولتحقق في نهاية المطاف حلمك القديم المتمثل أن يكون لديك عملٌ خاصٌ بك...
عملٌ شريف...
عملٌ عفيف...
تكسبُ منه رغيف العيش...
رغيفٌ يغنيك عن طلب الآخرين...
علمت كذلك أن هناك أشياءٌ أخرى كانت تقفُ عائقًا وحائلًا أمام تحقيق حلمك البريئ والذي مهما بذلت في سبيله الخطوات النظامية والشروط القانونية، إلا أنه يبقى لتجاوزات النظام والقانون حضورها الطاغي والصارخ في سوق العمل والعمال...

علمتُ يا مخلص قبل نظرة عينيك أنك كنت تشكو وطأة نظام الكفيل والمكفول...
ذلك النظام الذي حوله الأغنياء والوجهاء والتجار لنظام استعباد ورق للضعفاء والمساكين...
الضعفاء والمساكين الذين لا يملكون حولًا ولا قوةً ولا حيلةً...
الضعفاء والمساكين الذين أجبرتهم قسوة الحياة والحال لترك الأهل والوطن ليمارسوا غربة أحزانهم في بلادنا...
فما كان من أولئك الأغنياء والوجهاء والتجار إلا أن استغلوهم حاجتهم وضعفهم وهوانهم على الحياة...




في غمرة صمتك القبوري صرخ ألمك المكلوم فجأةً...
لماذا...لماذا...لماذا يا خالد...
هل أضحى ((الأجنبي)) أو ((الوافد)) أو تسميات الإعلام المحسوب التي يطلقها علينا ليصنفنا أننا سارقين لخيرات البلد في نظر أهلها...؟؟
لماذا يحصل معي هذا الأمر وأنا الذي سلكت الطرق النظامية لكي يكون لي عملٌ خاصٌ بي..؟؟
هل يلزمني الأمر أن أتحول لإنسان رائش أو مرتشي لتمضي أمورُ عملي على مايرام..؟؟
كم يؤرقني تلك الأسئلة التي تتصارع في نفسي دون إيجاد إجابة لها..

لكم كانت خيبتي كبيرةً وأنا أخرج من مقر دائرة منح الرخص...
لكم تفاجئت بأولئك الموظفين الذين كانت أعينهم تخبرني أن لا شيء سيمضي لك دون أن تدفع مالًا...
لكم تفاجئت بتلك القوانين التي تتغير وتتبدل في كل مرة أقصدهم فيها لمتابعة سير معاملة ورشة حدادتي...
تلك الورشة التي استأجرتها بمال ليس مالي وتكبدت أموالًا في سبيل شراء الآلات والمعدات...
لقد مضت سنتين وأنا مستأجرٌ لتلك الورشة دون أن أحرك ساكنًا فيها...
لم أعقد أي صفقات...لم أجري أي اتفاقات مع أي عميل كان...
كل ذلك انتظارًا لخروج تصريح الموافقة على مزاولة نشاط الحدادة...
أعلم أني مجرد مكفول لا يحق له مزاولة أي عمل أو تجارة إلا ضمن نطاق مهنته التي اُستقدم لأجلها...
لم أخالف...لم أعترض...لم أحتج على كل ذلك يا خالد...
بل سلكت تلك الإجراءات المنصوص عليها في نظام العمل والعمال...
نقلت كفالتي لخالي الذي يعمل مسـتثـمرًا أجنبيًا وحصلت على وكالة منه لإنهاء إجراءات فتح ورشة الحدادة...
وما زلت حتى هذه اللحظة أنتظر نتيجة معاملتي التي سكنت أدراج مكتب المسؤول عنها...

كم كانت صدمتي كبيرةً حينما ظننت أن المعقب الذي دفعت له آلاف وآلاف الريالات سيكون كفيلًا بإنهاء أمر المعاملة على خير ما يكون حسب علاقاته التي كان يخبرني أنها موافقةٌ للنظام، لكني تفاجئت أنه في كل مرةً يطلب مني مالًا أكثر وأكثر متذرعًا أمامي أن المعاملة تقتضي دفع رسوم نظامية وأنه لم يتقاضى سوى أجر تعقيبه ليس أكثر من ذلك...



كم كانت خيبتي أكبر حينما قررت أخذ ملف معاملتي والذهاب بنفسي لإيجاد حل لا أعلم كيف يكون شكله أو إجراؤه...أخبرني موظف الدائرة دون مقدمات ودون منحي فرصة للكلام أنه ينبغي علي أخذ موعد مسبق لمجرد سؤالي واستفساري عن وضع معاملتي...
سلمني أوراق معاملتي وورقةً أخرى ليرمي بعدها بمقولة ظلت تجول وتصول في مسامعي:
في هذه الورقة شروطٌ ينبغي عليك العمل على تحقيقها ليتم منحك موافقة لإقامة مشروعك...
لم أرى أمامي سوى مكاتب فارغة وموظفون فارغون يتجاذبون الحديث ويتبادلون الضحك...
لقد احتقرني الموظف وهو يسلمني أوراق معاملتي لأني لم أكن في نظره إلا مجرد عامل أو وافد أو أجنبي أو أي مسميات تطلق علينا يا خالد...
غادرت المكان وسط سديم من الشتات والضياع...
توجهت لسيارتي دون أن أعرف إلى أين أتجه ومن أقصد في نكبتي التي حلت بي...
لقد أصابتني طريقة استقبال وحديث الموظف لي بمقتل يا خالد...
كنت أرى جهدي وتعبي وبذلي في السنوات السالفة يتطاير أمامي دون أن أستطيع على إمساك أي شيء منه...

الذين تفننت الحياة والآخرون في كسرهم، توقع منهم أي شيء ما دام أنهم خسروا كل شيء.
في الريــاض....
يكون حال النفوس الطيبة النقية كحال الحشرات الضعيفة المسالمة التي تبقى باحثةً عن مساحات عيش تكفي أجسادها الصغيرة، ولو كانت تلك المساحات غير صالحة للعيش البشري، أقصد للعيش الحشري حسب قانون الحشرات التي يبقى لها قانون معيشة خاص بها...تُمني تلك الحشرات نفوسها بالأحلام المستحيلة والأماني الصعبة والتطلعات البعيدة اللاهثة وراء آمال وتفاؤلات بمساحات أوسع من هوامش حياتها المنخنقة...
مع تصرُم السنوات ومضي الأوقات تصابُ تلك الحشرات بسعار الموت البطيء لأرواحها، تنتظر خلاله أي أقدام عابرة تدوس ما بقي من أجسادها، يتولى الندم والحسرة عندئذ تشتيت ما بقي منها.

وصلت إلى سيارتي حاملًا أوراق معاملتي...
كان غبار النسيان يتطاير منها ليحط على مدرج عيناي التي أعمتها الحيرة والتفكير...
لقد شعرت بالألم يترنح ويتأرجح في نفسي يا خالد...
استندت إلى جانب السيارة لأستنشق شيئًا من أنفاس الراحة...
في تلك اللحظة لمحت رجلًا يسير ببطئ نحوي...
أصابني الذعر عندئذ من طريقة قصده لي...
كانت ثيابه رثةً وبالية...
رأيته يحمل في يديه أوراق معاملات وجوازات سفر...
في غمرة تأملي لمظهر الرجل...
اقترب مني أكثر...
جائتني كلمةٌ خاطفة لم أستوعب معناها حين قال:
-بقدر ما تدفع لي من مال بقدر ما سأنهي لك معاملتك...
تركني الرجل بعد أن رمى لي بورقة دوّن فيها رقم هاتفه...
تركني الرجل مخلفًا ورائه غبار أشياء لم أجد لها معاني أو تفسيرات...
أحسست أن دمي قد تجمد في عروق سمعي وأنا أنصت لرشوة ذلك الرجل لي...
هل كان ينبغي علي يا خالد أن أمارس الرشوة لأنهي أوراق معاملتي..؟؟
ما نفعُ الأنظمة وما فائدة القوانين إذن يا خالد..؟؟
أما أنها وضعت لتسري على البؤساء والتعساء مثلنا يا خالد..؟؟
قلي بربك يا خالد ما الذي يجري..؟؟

ثمة فرقٌ بين متبلد الإحساس ومنعدم الإحساس،فالأول تدب الحياة في عروقه فجأة إذا تعرض لصعقة كلمة أو وخز موقف في لحظة صادقة يستفيقُ فيها قلبه،وأما الآخر فاحساسه معدوم وميت فليس ثمة عودة تذكر.

أطرقت رأسك ويديك على الطاولة يا مخلص وأجهشت في بكاء صامت عميق...
كطير جريح أخفى رأسه بين جناحيه ليمارس تواريهُ واختبائهُ وكذلك بكائهُ...
مارست بكائك بكل عفوية وتلقائية، تمامًا كـكتمانك الذي تمارسه بكل عفوية وتلقائية...
لقد حفرت أحداث ذلك اليوم العصيب بمفاجآته كثيرًا من الآلام فيك...
بدت أوتار بوحك كأوتار آلة قديمة مالبثت وهي تتعرض لضربات تصدرُ أصوات نشيج حزن مسرف في صمته...




في تلك اللحظة فقط يا مخلص...
أحسست أننا قد تبادلنا أدوارنا في حياة فوضوية في توزيع أدوار شخصياتها...
حياة فوضوية في توزيع أحداث شخصياتها...
حياة فوضوية في توزيع مصائر شخصياتها...
حياةٌ تتحول فيها المبادئ وتتبدل فيها القيم بشكل خيالي...
حياةٌ لا تعطيك سوى فائض آلام وجراح وخيبات وأتراح...
لكنها تبقى حياة عادلة في منح الجميع موتًا يتساوى فيه السعداء والبؤساء...الأغنياء والفقراء...
إن السعداء يا مخلص يرون الأخلاق على غير المنظور الذي يراه البؤساء...
إن الموت يا مخلص يجردنا من كل شيء...
إن الأغنياء والفقراء يا مخلص يتساوون في الموت لكنهم بلاشك في الحياة لا يتكافؤون...

في الوقت الذي مازلت تمارس فيه يا مخلص بكائك الغزير، كـغيـمة ظلت تكتم مافي جوفها وفي لحظة ما اخترقها خيط شمس دافئة، انفجرت حينه مطرًا وغيثًا أغرقها وأغرق قلب أُخوة ظل يتحسس كتمانها...
في الوقت الذي شعرت فيه بعجز غريب عن فعل أي شيء يخفف من وطأة الألم العنيف الذي ظل يزاول اغتياله لك...
جعلت أمسح بعطف على شعر رأسك وأنت ما زلت تجهش بالبكاء...
انسكبت العبرات من قلبي والدمعات من عيني...
تذكرت وأنا أنصت لصوت نحيبك الحزين نحيب مدينتك ((حماه)) وأنينها الشاكي وبوحها الباكي...
شعرت أني لم أكن أمسح عن رأسك آلامك فحسب، بل آلام مدينتك ((حماه))...
حاولت عبثًا اقتسام أكبر حصص ممكنة من جراح نفسك وعذابات قلبك...

إلي بيدك يا مخلص...
إلي بيدك لنرقص سويًا...
إلي بيدك لنترنح سويًا...
إلي بيدك لنتأرجح سويًا...
رقص وترنح وتأرجح محبتنا وصداقتنا الأخوية...
التي تعاهدنا على تقاسم رغيف فرحها وحزنها...

الصديق الأصيل والأخ الوفي لا ينثر جراحات نفسه المتشظية حزنًا في حضرة جراح أحبابه لكي لا يجعل من الجرح جرحين ولكي يتفرغ بدوره لمداواة جروحهم الغائرة والتي اختاروه هو لكي يلملم بعثرتها.

الأربعاء، 6 فبراير 2013

لطيــــفة



ذات يوم، كانت رابعةُ شمس ذلك النهار تزدادُ وتيرةُ حرارتها شيئًا فشيئا. كان الأبُ جالسًا في مجلس البيت بصحبة ياسر الذي كان حاله بين ذهابًا وجيئة في أحد زوايا المجلس، كان منشغلًا بالحديث مع صديقه عبدالخالق عبر الهاتف. كان الصمت السارف قد ألقى بشباكه على كثير من جسد وجوارح وملامح وجه الأب الذي كان كلُ مافيه يمارس السكوت العميق، باستثناء عينيه المتقلبة في نظراتها في سائر المكان وصوتٌ خجول من تنهدات أنفاسه الخارجة من بين فتحات شبكة صمته المحيطة به. لقد بدى حال الأب الطيب كالإنسان الحي المُسجى داخل تابوتٍ مغلق وصغير عاجزٌ عن ممارسة أي نوع من أنواع الحركة، باستثناء صوت أنفاسه التي كانت تمارس حركتها في نطاق محدود من خلال فتحات تنفس كثيرة لكنها ضيقة جدًا لا تعني أي أملًا بالحياة والنجاة مع تعاقب الوقت عليها، ليرسم ذلك الحال معاني الجمود والخمود والركود الذي يظل ملازمًا لحياة ذلك الإنسان أو ذلك الأب.

فرغ ياسر من مكالمة عبدالخالق، وضع هاتفه على الطاولة في الوقت الذي هم لسانه بإخراج كلمات حديثٍ آخر يوجهه لأبيه الذي كان جسده غارقًا في محيط صمتٍ عميق باستثناء حركة عينيه التي بدت رموشها تمارس شيئًا من تجذيف الحياة.
تكلم ياسر وعلامات الحنق من صمت أبيه باديةٌ على وجه
:
إلى متى سيستمرُ صمتك هذا..؟
بعد دقائق سيزورنا عبدالخالق ليتزوج ابنتك
...
هل من اللائق أن يرى ملامحك متضايقةً كما لو كنت في عزاء ميت
....
هل هذا هو جزائي أني سأساعدك بالتخلص من ابنتك
....
أنت تعلم أنه لم يطرق رجلٌ باب بيتك لحد الآن ليطلب الزواج بها
....
وسوف لن يطرقه أي رجل
....
هل تعلم لماذا يا أبي..؟؟
ببساطة...لأنك لم تعرف كيف ينبغي أن تُربى الأنثى
....
ربيتها على حُب روايات العشق وقصص الحُب الفارغة حتى أصبحت تريد التمرد على الرجال
..
لم تربها على وجوب الطاعة العمياء لإخوانها الذكور
..
ينبغي عليك أن تشكرني بدل أن تذمني عبر صمتك
..
تشكرني لأني سأريحك من عبئ ابنتك الثقيل والكبير
..

لقد اخترت عبدالخالق بدقةٍ وعناية كزوجٍ لها بعد تفكيرٍ طويل..
هو أنسب زوجٍ لها، لكن رغم التمرد والعناد الذي يسكنها فعبدالخالق قادر على ترويضها
..
هو من نفس قريتنا وسيكون خيرَ سترٍ وغطاءٍ لها
..
إنه صديقي وأعرفه غاية المعرفة ولأجل ذلك رأيته خير من يكون زوجًا لابنتك
..
والآن وبعد كلامي هذا
...
هل ما زلت ترى أني لم أخدمك..؟؟
أجبني....

حدق الأبُ الصامت لابنه تحديقةً ظلت شاردةً بين حالين
...
حالُ اللحظة التي ظل يصغي فيها لحديث ياسر له، كانت خلالها جوارحُ الأب الطيب رافعةً لرايات الإستسلام والتسليم لياسر دون تعقيب يذكر
...
وحالُ ماضي تلك اللحظة التي سمع فيها خبر ولادة ابنه ياسر وقدومه لهذه الحياة، فكانت أمطارٌ من الفرح والسعادة والبهجة والسرور قد هطلت على قلب الأب حينئذ
...
لم تتسع رحابة الكون واتساع الوجود في نظر الأب لإحتواء مشاعره المنتشية لميلاد فلذة كبده ياسر
...

كم أنت غريبٌ أيها الحُب...
كم أنت عجيبٌ أيها الحُب
...
بسببك نشعر بقوتنا في الحياة
...
وبسببك أيضًا نشعر بضعفنا في الحياة
...
تكتمل رؤيتنا بسببك وفي الوقت نفسه تعمى عيوننا بل وقلوبنا وبصيرتنا لأجلك أيها الحُب..بل لأجل من نُحبه
..

عاد ياسر لمحادثة أبيه الصامت من جديد، بدى الأب الطيب مخدرًا عن الكلام من حزن لسيادة صوت ياسر عليه، كما لو كان قد استجلب في مخيلته تلك اللحظة الفرائحية حينما كان مخدرًا حينئذٍ، لكن من سيادة صوت صرخات الحياة الأولى لابنه المحبوب ياسر
.
تحدث ياسر: إن صمتك يا أبي هو ترجمانٌ لموافقتك على ما فعلته
...
حسنًا السكوت دلالةُ الرضا كما يقولون
..
فلتصغي لي جيدًا
...
سيأتي عبدالخالق خلال دقائق ومع أهله برفقة المأذون الذي سيعقد قران ابنتك
...


سأذهب لأمي لأقف على تجهيزات النسوة لعقد القران
...
ذهب ياسر لمجلس الضيوف، كانت الأم حاملةً المبخرة تجوب بها أنحاء وزوايا المكان
...
أخذ ياسر يسألها بحزم وحرص: هل كل شيئٍ على مايرام..؟
أجابت الأمُ وهي تنظر لإبنها نظرة اعتزازٍ وشموخ لم يغيب أو يحجب دخان البخور شيئًا من معانيها
:
بالطبع يابني
...
كل شيء يسير وفق ما تريده
...
لا تقلق يا حبيبي
...
لا تقلق يا مهجة قلبي
...
هاتِ غترتك ومشلحك لكي أطيبهما بهذا البخور يا عزيزي
...
كم أنا فخورةٌ بك وأنا أرى مظاهر الرجولة تتفجر فيك
...
إنك تذكرني بخالك فريد
...
إني أراه فيك دومًا
...
سيحسدني أهل عبدالخالق كثيرًا فيك
...



حسنًا...حسنًا يا أمي والآن ناوليني غترتي ومشلحي، عبدالخالق وأهله سيأتون في أي لحظة
...
في ذلك الوقت كان باب البيت يُطرق...
كان الطارق عبدالخالق
...
دلف ياسر للباب واستقبله باهتمام ٍكبير
...

كان عبدالخالق يعمل مدرسًا في المرحلة الابتدائية، في منتصف العقد الثالث من عمره، يهوى لعبة الورق التي يمارسها مع أصحابه الذين يقضي معظم وقته معهم في استراحةً يجتمعون فيها بصفة يومية. كانت أم عبدالخالق اشترطت على ابنها السكن في نفس البيت الذي يقطنون فيه، بعد تخصيص جزء من البيت لهم. كان عبدالخالق هو آخر ابن من عقد الذكور في عائلته، فكانت أمه توليه اهتمامًا وعناية خاصة.

كانت لطيفة أنذاك في غرفتها تستعد ليوم زواجها، كانت تحاول اقناع نفسها برؤيته يومًا فرائحيًا، أخذت مخيلتها المثالية تنسج جميع تفاصيله بكل لحظاته ومشاعره. قررت في تلك اللحظة إلقاء ظروف الواقع الحتمي لزواجها بعبدالخالق، والذي كان يرسمه ويخطط له ياسر ولا أحد سواه، كانت لطيفة تفكر مليًا بكلام معلمتها أسماء بأن تسلم أمرها لله تعالى، وأن ترضخ للمصير المحتوم على أمل الإمساك لاحقًا بقشة أمل تطفو فوق بحر من الضياع النفسي الذي تواجه معه لطيفة أمواج ياسر التسلطية التي ما فتأت تلطمها على الدوام. قررت لطيفة حينئذ محاولة المقاومة لجميع مشاعر القهر والتجبر التي يمارسها عليها ياسر، كانت تستحضر في لحظات تجهزها ليوم الزفاف كلمات رسالة المعلمة أسماء حينما كتبت لها:
عزيزتي لا تنظري لإبتلاءات الأقدار بعيون سوداوية...
قد تكون نار الزوج أقل لهيبًا من نار الأهل
...
قد يكون من الصعوبة قبول الزواج برجلٍ لم يجمعك بها سوى لحظات جلوس سريعة
...
لحظاتٌ سريعة قد لا تسعفك بالتعرف على من سيشاركك حياتك القادمة
...
لحظاتٌ سريعة قد لا تكفي لنكتشف حقيقة مشاعر من ستعيشين معه تحت سقف واحد
...
لكن قد يكون في الأمر خيرةً لك في أن تتخلصي من سطوة ياسر وتسلطه عليك
...
المرأةُ الذكية هي التي تستطيع التغلغل في نفس الرجل التسلل لقلبه لتعرف كيف يفكر
...

قد تمضي سنوات الزواج بالنسبة للمرأة لتكتشف لاحقًا أنها لا تعيش أكثر من عنوسة روح وجفاء مشاعر من زوجها
...
فلتفكري يا لطيفة في كيفية جذب الظروف لكي ياعزيزتي، فقلوب الرجال كأوتار القيثارة، لا يعرف سر عزفها سوى أنامل إمرأة تتحسس مزاجيات تلك القلوب...
فلتكوني في يومِ عرسك كأجمل ما تكونين
...
اسحري زوجك بهيئتك وطلتك وجاذبيتك لتسرقي قلبه من أي مؤثرات قد تطرأ عليها
...
دعواتي لك بالتوفيق يا عزيزتي
.....معلمتك المُحبة

في مجلس الرجال كان ياسر جالسٍ يتحدث بإسهاب مع عبدالخالق، يتجاذب مع أطراف الحديث عن أمور مختلفة، أصوات ضحكاته معه تعلو تارة وترنو تارة، كان الأب الطيبُ حينئذ مازال يمارس دوره الصامت، مع تقليبه لحبات سبحته وكذلك كانت عيناه تتقلب بعفويةً صامتة في النظر غير المباشر لعبدالخالق الذي شعر بشيئٍ طفيف من مشاعر الإحراج التي بدت على محياه. وقتئذٍ قاطع ياسر المشهد القائم بين الأب وعبدالخالق قائلًا:
هذا هو يا أبي عبدالخالق الذي كنت أحكي لك عنه..
والذي كنت تتوق لرؤيته..
إنه من أعز أصدقائي...بل هو أعز صديقٍ لي على الإطلاق..
إنه بارعٌ جدًا في لعبة الورق
..
هو دومًا يغلبني فيها
..
إنه لأمرٌ رائع أن يكون عبدالخالق نسيبًا لنا يا أبي
..
أليس كذلك يا أبي..؟؟
أخذ الأب ينظرُ من طرف صمته الخفي ليتمتم بلسانٍ وشفاهٍ قد جففهما السكوت
:
خيرًا إن شاء الله...خيرًا إن شاء الله
...

بدت علاماتٌ من الخجل على وجه عبدالخالق جراء امتداح ياسر له، بعد لحظات سكوتٍ سريعة أخذ يتحدث للأب الطيب قائلًا: إنه شرفٌ وفخرٌ كبير لي يا عم أن أكون نسيبًا وزوجًا للطيفة...
لقد كان ياسر يحكي لي عنها كثيرًا وهذا ما جعلني أتقدم لك طالبًا الزواج بها
..
حدق الأب لعبدالخالق تحديقةً ساهمة غير منقطعة، أتبعها بتنهيدة صامتة لم يخرج شيءٌ من أنفاسها عن جوف الأب الطيب حتى قال مكررًا كلمته السابقة
: خيرًا إن شاء الله...خيرًا إن شاء الله...

تلعثمت ملامح عبدالخالق من الحيرة قليلًا..!!
أخذ يبحث عن شيء يتحدث عنه بينما يحين موعد رؤيته للطيفة. أخذ يتحدث للأب قائلًا
:
خالي العزيز
...
لقد حدثني ياسر أنه يبحث عن عمل عقب تخرجه من الثانوية العامة وعدم توفقه في الحصول على عمل
...




كما تعلم سوف أكون نسيبًا لكم وهذا يحتم علي مساعدتكم في أي شدائد قد تواجهونها
...
أنا لي علاقاتي الطيبة مع بعض الأصحاب تساعدني في إيجاد فرصة عملٍ لياسر
...
أحد أصدقائي العزيزين علي يعمل مديرًا في شركة طيران، تحدثت له في وقتٍ سابق عن شأن ياسر لأجل أن يعمل معهم
...
ياسر صديقٌ غالي بالنسبة لي، وفي الوقت نفسه سيصبح مستقبلًا خال أولادي، إن لم أساعده الآن فمتى سوف أساعده..؟؟
أخذت ملامح الفرح تتشكل على محيا ووجه ياسر الذي غمز عبدالخالق مبديًا له سعادته بحديثه وفعله...
جعل عبدالخالق يتحدث للأب قائلًا
:
ما رأيك يا خالي فيما ذكرته لك..؟؟
هل أنت مسرورٌ بفعلي هذا تجاه ياسر..؟؟

ألقى الأبُ الصامتُ بنظراتٍ مبعثرة على عبدالخالق تارة ثم ياسر تارة أخرى...
كانت نظرات تلمعُ منها معاني ودلالات أشياء كثيرة
...
ربما كانت تعكس شيئًا من الضعف..
أو شيئًا من الإستسلام..
أو رغبةً جامحةً بالعيش في هدأة وسلام..
أو نوعًا راقي من أنواع الهروب المحصور في حدوده..
كحصرية هروب فأرٍ صغيرٍ ووديع يركض ويركض ويركض داخل عجلة سير هربًا من واقعٍ ظل ملاحقًا له، دون أن يعلم أن هروبه كان محصورًا، وأنه يدور في دائرة هروب تكرر نفسها من تلقاء نفسها، فسيان إن كان يهرب بسرعة أو ببطئ، فالحال واحد والمصير واحد..

جعل الأب يحول نظراته صوب سبحته التي كان يقلب حباتها بشكلٍ مُسرفٍ في بطئه وتؤدته، كان مع كل تقليبة لفصوص سبحته يُصدرُ أنفاس وتنهدات عالية وهادئة الصوت من جوفه الذي كان يتصارعُ فيه نبضُ معاني أشياء كثيرة تارةً بصمت وأخرى بصخب، كما لو بدت تلك الأنفاس والتنهدات كجنود قتال تعيش حالة حرب منتظرة لكن دون معرفة من أي ناحية قد يأتيها الهجوم فمرةً تنشط حركتها ومرةً تخبو...
حينئذٍ واصل الأب تقليب فصوص سبحته وجعل يومأ رأسه بعفوية لعبدالخالق ثم تمتم بكلماته السابقة: خيرًا إن شاء الله...خيرًا إن شاء الله...

في الغرفة كانت لطيفة تحدق باهتمام لا منقطع لخزانة ملابسها..
أخذت ترمي بنظراتٍ على ثيابها وتهذي بكلماتٍ لنفسها..
كانت الحيرة تملؤها عن أي ثوبٍ ستلبسه لتستقبل به أول مرةٍ فارس أحلامها الذي كانت دومًا ترسمه مخيلتها الأنثوية الغارقة في بساتين شاسعة من ورود الرومنسية وأزهار الشاعرية
...
هكذا بدت لطيفة..بل هكذا قررت أن تصبح وتبقى...
إمرأة باذخةً ومبذرةً في رومنسيتها وشاعريتها وإن لم تكن قد تترعرعت في محيط أسرة كان جفاف المشاعر طاغيًا فيها أو محيط دراسة كان قحط العواطف طافيًا عليه
...

كانت لطيفة ترى في تعليق صور الممثلين والشعراء على درفات الخزانة والجدران شيئًا تعويضيًا عن ذبول وخمول المشاعر والأحاسيس من قبل الإخوة الذكور وفي طليعتهم شقيقها ياسر الذي كان أشبه بنبتة الصبار، فهي إن احتاجت لإحتوائه في لحظة خوف فلن تجد سوى أشواكه التي توخزها، وإن هي احتاجت لغيثه في لحظة عطش فلن تجد سوى مائه المالح ليزيد من ظمئها...
هكذا كانت صور الممثلين والشعراء ترمزُ للطيفة بتلك المعاني الغائبة عن قلبها وعقلها، فتنظر للممثل أنه ذلك الشخص الذي يرسم عبر أدواره التمثيلية صورًا من الحُب والعشق، وتنظر للشاعر أنه ذلك الشخص الذي ينظمُ عبر أبياته الشعرية أحاسيسًا من الرقة والرهافة
...

في لحظةٍ ما سقطت عينا لطيفة على فستان كانت معلمتها أسماء قد أهدته لها احتفاءًا بها في حفل تخرج طالبات الثانوية العامة في مدرستها أنذاك. ما أن سقطت نظرات لطيفة على الفستان حتى انجرف من ذاكرتها سيلٌ متدفق من الذكريات والمحطات، فكان مجرد نظرةٍ سريعة لفستان شرخ سور ذاكرتها ليتحول فجأةً من الركود إلى الإنجراف، كسدٍ عظيم تصدع بنيانه من قضمة فأر عابر فأوجعته لتتدفق مياهه من بين الشقوق فجأةً.

أمسكت لطيفة الفستان برفق...جعلت تنظر له بتأملات متبعثرة...
أخذت تنفض بهدوءٍ الغبار عنه بيديها الرقيقتين لتجدد لمعانه
...
كمن ينفض التراب عن ذاكرة ماضيه ليجدد حنين رغبة لها وأحيانًا هجرةً عن ألمها
...

ملابس مناسباتنا الجميلة والحميمية إن تعاقب عليها غبار الزمان، فنحن لا ننسى رائحتها التي تبقى معلقة على مشجب القلب والذاكرة.

ظلت لطيفة تنظر بإسهاب غير منقطع للفستان
...
كان فستانًا زُهري اللون
...
أكمامه قصيرةٌ يحوط أطرافها فصوص وأحجار حمراء وزرقاء اللون
...
كان شكل الفستان من منتصفه لأسفله آخذٌ في الإمتداد والإنتفاش اليسير
...
كان الفستان يشبه حال الطاووس حينما يمتد وينتفش ريشه فجأةً، في لحظة إعجاب حينما يرى نفسه
...
كذلك بدى حال لطيفة لحظة نظرها لنفسها للمرآة وهي ترتدي ثوب مناسبة لقائها المنتظر بعبدالخالق
...
كانت لحظةً امتزجت فيها مشاعر الإنبهار والفرح في نفس لطيفة لدى إحساسها بالجمال الذي أضافه الثوب لشكلها...
في أثناء تأمل لطيفة لنفسها في المرآة، ماجت وهاجت فجأةً أصداء كلمات سابقة لمعلمتها أسماء حين قالت لها ذات مرة:
إن أسهل طريقةٍ لنفس الرجل هو إحساس حُبٍ  تهمسينه في قلبه
...
إن أيسر طريقةٍ لعقل الرجل هو صورة جمال  تطبعينها في ذاكرته
...
إن أغرب ما تحيرين به الرجل هو تجددك الدائم
...
إن أقسى ما تعذبين به الرجل هو أن تعلقي روحه بكِ بخيوطٍ رفيعة، أنتِ وحدك من يرخيها ويشدها
...

أنهت لطيفة تأملها الشارد، ألقت بنظراتٍ أخيرة لنفسها في المرآة، همت بعدها بالنزول للمجلس حاملةً صينية الشاي والقهوة. كانت حركة نبضات قلبها و تنهدات أنفاسها تتسارع مع وقع خطاها المتباطئة في مشيها للمجلس وهي تحمل الصينية بيديها المرتجفتين، بدت لطيفة كانسان يسير على حبلٍ رفيع حاملًا بين يديه عصا لكنها خفيفة لا تساعده على حفظ توازنه.
عند عتبة مجلس الرجال أخفضت لطيفة الصينية قليلًا ومدت يدها لتطرق الباب
...


في تلك اللحظة أخذ ياسر يتنحنح متضجرًا بصوتٍ عالي كزمجرةِ تنين بث دخان الغضب الرُعب في قلب لطيفة التي عادت أدراجها سريعًا لصالة الجلوس
...

فتح ياسر الباب بقوة، أطل برأسه للصالة، كانت عيناه ساهبتان في النظر للطيفة التي كان وجهها يلمعُ بالجمال رغم ملامح الرهبة المختبئةً في عينيها المتشربتان للكُحل. بدى مظهر جمال لطيفة الهادئ العفوي والذي كان يعايش لحظة مواجهة خوف جمعته مع ياسر، يشبه حال جبلٍ جليدي ناصعٍ في بياضه وشفافيته وفجأةً أخذ يذوب وينصهر ويتلاشى بسبب شرر نيرانٍ حارقة لا تعرف الدفء أخذت تتساقط على ذلك الجبل الأبيض لتبخر طُهر براءته ونقاء عفويته.

بعض النيران خُلقت لتبث الدفء والنور في مشاعر النفس، والبعض الآخر خُلقت لتبث الحريق والدخان لمشاعر النفس.

مازال ياسر يلقي بنظراته الحانقة بالغضب على لطيفة والتي كانت الصينية ترتجف بين يديها لتترجم تلك الرجفة معاني الخوف العميق والغريق في محيط لطيفة
.
أطلق لسان ياسر رصاصَ كلماته الهادئة في صوتها لكنها مدويةٌ في سمع لطيفة فأخذ يقول
:
ماهذا المظهر الذي أراه..؟؟
إن هذا ليس مظهر إمرأة يرغب فيه رجلٌ قد جاء لطلب الزواج بها..!!
بل مما لاشك أنه مظهر إمرأة سافرة لا تلقي للحشمة والعفاف والستر أي اعتبارات..!!
والآن اذهبي والبسي عبائتك وغطي شعرك..!!
لا يوجد لدينا بناتٌ يدخلن على رجال ولو كانوا أزواجهن بثياب زينة ومظاهر تبرج..!!
أصغي لي جيدًا
...
حذارِ أن تدعوكِ نفسك لأن تجلسي بعد تقديمك للشاي والقهوة..!!
سوف لن يحتاج عبدالخالق إلا لمجرد نظرة لك..!!
بعد أن تضعي الصينية انصرفي فورًا لمجلس النساء وانتظريني حتى أناديكِ لكي تجيبي المأذون
بالموافقة حينما يسألك عن قبولك بالزواج
..!!
هل تفهمين ما أقول..؟؟

عاد ياسر لمجلس الرجال مخلفًا وراءه غبار خطواته وكلماته التي شرق وغص بها حلق لطيفة التي  لجأت لأريكة تجلس عليها، بدى الصمت سيد تلك اللحظة، أخذت لطيفة تلتقط أنفاسها المخنوقة في جوفها، أخذت دموع القهر والإنكسار تنسابُ وتقطرُ من عينها، كانت دموعها الشفافة قد اختلطت بسواد الكحل لتشكل رسمة حُزنٍ صاخبة في صمتها ومتعالية في سكوتها.
شفافيةُ إحساس المرأة حينما يظلله ويحوطه سواد قهر الرجل يولدُ في نهاية الأمر إنسانٌ صامتٌ هامدٌ لا حياة ولا روح فيه
.




تناولت لطيفة عباءةً كانت بالقرب منها، وقفت حينئذ مقابل المرآة، جعلت تضع العباءة على جسدها المثقل بالجراح والخمار على رأسها المليء بالأفكار. أخذت تنظر للمرآة ومشاعر الإنكسار تلمعُ في عينيها وهي تقول
:
هل من العدل أن أتزوج برجلٍ لم أختره ولم ترتضيه نفسي..؟؟
أم هل من الإنصاف أن لا أتزين في لحظة فرحٍ فُرضت علي..؟؟
إنما أشكو حزني لك يا ألله
...

أمسكت لطيفة الصينية وتوجهت صوب مجلس الرجال، طرقت الباب ثم دخلت مطأطأة الرأس وبخطواتٍ متباطئة ونظرات متسارعة كانت تحاول رميها على زوجها عبدالخالق لتبصر شيئًا من وجهه، لكن النظرة الواحدة لم تكن كافية أبدًا لترسم في عقلها وقلبها صورة وصوت لعبدالخالق، فاكتفت لطيفة وقتها بإبصار وجه أبيها الذي كان صامتًا عن الكلام لكن في نفسه كثيرٌ من الكلام. في اللحظة التي وضعت فيها لطيفة الصينية على الطاولة، رمقها ياسر بنظرة واحدة كانت كافية لترسم في عقلها وقلبها صورة وصوت الخوف، لتعود لطيفة أدراجها لمجلس النساء انتظارًا لحضور المأذون.

في تلك اللحظة كان خالد عائدًا للبيت، فجأةً وعند دخوله لصالة الجلوس لفت سمع قلبه صوت لطيفة وهي واضعةً رأسها على الأريكة وتجهش بالبكاء العميق.
جعل خالد ينظر بصمتٍ لدموع أخته المتوارية بين سواد عبائتها وسواد كحلها وهو يقول
:
قد نحتاج يا أختاه لسوادٍ يغطي شفافية الحزن أو ربما ليُقبر فيه...
إن قهرك مدادٌ لقهري
...
إن كسرك مدادٌ لكسري
...
كذلك حياتك مدادٌ لحياتي
...
لكل صمتٍ كلامٌ يعقبه ولكل ظلامٍ نورٌ يبدده
.

تعالى صوت جرس باب البيت، توقف سيل دموع لطيفة عن الإنسكاب وقت سمعها لصوت الجرس...
كانت نبضات قلبها تخفق وتتسارع وتيرة نبضها أكثر فأكثر مع صوت كل رنة لجرس البيت
...
بعضُ رنينُ الأشياءَ يثير في ذاكرتنا الحنين، والبعضُ الآخر يثير فيها الأنين
.

خرج ياسر مسرعًا ليرى من عند الباب..!!
لقد كان الطارق هو المأذون الذي سيعقد قران العروسين وكان يرافقه أهل عبدالخالق
...
أخذ ياسر يصافح الحاضرين بسرور كبير، ثم اصطحبهم لمجلس الرجال
.
عند عتبة باب الدخول طلب ياسر من المأذون القعود عند أريكة جلوس بقرب مدخل الصالة
...
أخذ ياسر يحدث المأذون على عجالة قائلًا:
انتظرني قليلًا يا شيخ
...
سأدخل للمجلس لآتي بالعريس
..
ارتسمت علاماتٌ من الدهشة والإستغراب على وجه المأذون
..!!
عقب قائلًا:
ولماذا أقعد هنا بينما أنا جئت لكتابة عقد نكاح زوجين..؟؟
أوليس هذا الزواج شرعي وعلني..؟؟
تبرم وجه ياسر بالحيرة
...
أجاب على تساؤل المأذون بقوله
:
بلى..بلى إنه بالطبع زواجٌ شرعي وعلني
.
لكن كما تعرف لو دخلت للمجلس سيكون من الصعوبة بمكان تهيئة العروس لكي تأخذ قبولها في عقد النكاح، لذا رأيت أنه من الأنسب جلوسك هنا بالقرب من باب هذا المدخل الذي ستكون العروس ورائه، حين إذن ستسألها القبول وستجيبك من خلفه.
نظر المأذون لياسر نظرة فاترة من الإستغراب:
حسنًا كما ترى، أنا جئت لعقد قران ليس أكثر من ذلك
.

كان المتواجدون من أهل عبدالخالق آخذين في الحديث والكلام مع والد لطيفة الذي كان حاله متقلبًا ما بين صمت شفاه وإيماءة ملامح وتقليبه لسبحته.
أطل ياسر برأسه من خلف الباب، غمز بعينه لعبدالخالق ليطلب منه القدوم إليه...
انسل عبدالخالق من بين الجالسين المشغولين بالحديث حينئذ
.

أغلق ياسر باب المجلس، أجلس عبدالخالق بجوار المأذون ثم أخذ يتحدث له مجددًا:
هذا هو العريس أيها الشيخ
...
ابدأ الآن بكتابة عقد النكاح ريثما أخبرك بجاهزية العروس لتسمع قبولها بالزواج
.