الأحد، 7 أغسطس 2011

نضال مقتول...و مشهد مأمول

إسمه عروة الأحمد،من مدينة حمص السورية،شاب مبدع لكن ليس أي إبداع إنه ذلك الإبداع الذي يجعله ملتحما مع الواقع الذي يعيش كي يخرج للمحيط الخارجي بقالب الجمالية وكل معاني الخروج السليم فهو يعمل مخرجا سينمائيا،أخرج العديد من الأفلام الوثائقية التي كانت خلجات نفسه تقول له:عبر عبر عبر ثم إنتظر قبل أن تنفجر فسوف يأتي ما تريد تحقيقه فكان يخرج الأفلام الوثائقية كي يوجه رسالة للعالم لكنها رسالة مبطنة يتحدث فيها عن بلده سوريا وإن لم يكن حديثا واضحا ومباشرا عنها فلقد  كان حديثا إلتفافيا يلف ويدور دون التسليط المباشر على أوضاع ذلك البلد المكبوت والمقهور على كافة الأصعدة.كان عروة إضافة لحبه للإخراج فهو أيضا كان يحب التصوير ربما يريد أن يخرج تلك الصورة التي تعبر عن واقع حياته والتي هي قضية بلده،فقضية سوريا هي حياته والعكس صحيح،إستأذنت منه شخصيا كي أكتب عنه دون أن يمسكني بقيد من القيود أو يلجمني بحد من الحدود،رأيت فيه وفيني تشبيه خياليا لطيفا مع ناجي العلي وأحمد مطر فناجي العلي كان يمثله عروة فكان ناجي يرسم بريشته الكاريكاتيرات كتعبير عن القهر النفسي الذي يعيش في دواخله النفسية على بلده فلسطين فيرسم اللوحات التي لا تنسى،وأحمد مطر كان يمثله سعود فكان أحمد ينظم الشعر بقلمه كتعبير عن الكبت الذي يعيشه فيكتب الكلمات التي لا تمحى،فكان إلتقاء ناجي العلي وأحمد مطر يمثل نقطة إلتقاء وتوافق نفسي وذهني بينهما.كان عروة ولد شقيا في صغره ومنذ أيام الدراسة وفي الوقت نفسه كان خجولا،فشتان بين أن تجتمع تلك الصفتين المتضادتين جملة وتفصيلا،لكن ربما من الأفضل أن تكون صفتين متضادتين فتسكن في شخصية عروة،لأنها سوف تشكل ذلك المنعطف مع تعاطيه لقضية الثورة السورية التي تدور رحاها في سوريا.ذات يوم تعرض عروة بالكلام لذلك المدرس الذي بدوره تعرض في البداية لعروة،فرد عليه عروة بشكل طبيعي كنوع من التعبير وردة الفعل العادية على أي شيء يمارس ضده،فكان نصيب الولد الصغير عروة هو الفصل من المدرسة وعدم تمكنه من الدراسة في المدارس الحكومية حتى إضطره الأمر لتدبير وساطة للعودة مجددا للصفوف الدراسية.هذا المشهد ربما مر مرور الكرام على عروة في ذلك الوقت،ربما لم يغوص كثيرا في أعماق ذلك المشهد لكن ذلك المشهد كأن بي أستقرأ من خلاله مشهد الثورة السورية الحالية،فعروة كان في ذلك المشهد ضمن جملة من الطلاب فهم جزء من الشعب،وكان ذلك المدرس-البغيض ربما-في نظر عروة فكان المدرس يمثل السلطة والحكم فقام بالإعتداء والنهر والزجر لذلك الولد البريء عروة،فما كان منه سوى التعبير عن ردة فعل بريئة وسلمية على ذلك الفعل الذي يراه عروة أنه يحمل الظلم والبهتان بالفصل من المدرسة والقضاء على مستقبله ومصادرة أبسط حقوقه بالتعليم كما تم مصادرة حقه البسيط وهو التعبير عما في نفسه،عروة ذلك الولد الصغير لم يدري أن هذا المشهد الذي تعرض له سوف يعود له مجددا ويعيش تفاصيله وسيمتلك أدوات التعبير لذلك المشهد بلاشك

كبر عروة ومضى في درب الحياة،وواصل دراسته في تخصص التأليف والإخراج وعمل في مدينة أبوظبي الإماراتية وعمل على تصوير تلك الأفلام القصيرة والمواد الفنية التي كانت تعبر عن وضع الحرية في سوريا ومصادرة الآراء وتهميش الآخر وذلك قبل إندلاع شرارة الثورة الحاصلة في سوريا الآن.مع بداية الثورة السورية وتصاعد وتيرتها يوما بعد يوم،قرر عروة على الفور حزم الحقائب والعودة لأرض الوطن،ترك وراءه الحياة الجميلة،والوضع المريح،والمستقبل الآمن،وكل شيء نعم كل شيء وضعه في ذلك الكيس وأحكم ربطه وقذفه إلى حيث نقطة اللا عودة لتلك الأشياء،وبعد ذلك فر ذاهبا نحو وطنه وبلده-سوريا-لأنه أراد عيشا في تلك البلد التي ما تزال النيران تشتعل في وسطها وفي كل جنباتها،ذهب لأنه خاف أن يوصف بالعار والخيانة،فهو لو بقي في مكانه دون العودة لبلده فلن يوصف بالعار والخيانة تجاه بلده فهو سيعبر عن رأيه من مكانه وموقعه،يندد بقتل الأبرياء،ويدين إستخدام القوة،ويطالب بسقوط الظالم الذي يقتل أبناء شعبه،لكن عروة جلس أمام تلك المرآة وخاطب نفسه: أن التنديد والإستنكار لا يكفي يا عروة،فيجب أن أكون في وسط المعمعة،فخرج ذلك الصوت وتلك الصرخة من تلك الحنجرة فتقول: لا لا يا عروة،إذهب وعش وعايش هموم بلدك وإن إضطر الأمر فقدم روحك الغالية فهي رخيصة لأجل وطنك فالسماء تتصاعد لها في كل يوم أرواح الذين نرجوهم شهداء فهم ماتوا دون عرضهم،وماتوا دون مالهم،وماتوا دون دينهم فهم شهداء لأنهم ماتوا لأجل ذلك هنا عاد عروة بأسرع ما يكون لبلده ومدينته حمص فإحتضنته وإحتضنها بعد فراق طويل،كان خلالها القلب عليل،على فراق الوطن الجميل...أي نوع من الوفاء هذا يا عروة تضحية من أجل الوطن،فهو يقول أن حب الوطن لا يموت في قلوب...أبناءه...أبناءه فقط.عاد عروة أدراجه نحو مدينته حمص،كانت تتعرض للقصف اليومي،فكان يعيش تحت وقع المدفعيات،وصوت البندقيات والخوف الدائم الذي يعتريه في كل لحظة وثانية أن تغتال تلك الأمنيات،فهو إضافة على ذلك كان قد منع السفر خارج سوريا ووضع إسمه ضمن المطلوبين القبض عليهم ففر هاربا تاركا البيت والأهل كي يحتمي بنفسه....هو لم يهرب كالخائنين لأوطانهم فكيف له أن يهرب وهو الذي قرر طواعية من نفسه أن يعود لوطنه كي يعايش هم إخوانه وينتزع حق الحرية والكرامة التي سلبت منهم.كان عروة وفي خضم الأحداث اليومية والمتلاحقة التي تمر في سوريا يقوم بواجبه الذي يرى أنه يجب أن لا يتأخر يوما،فكان يغطي أخبار المظاهرات في سوريا ويقوم بمراسلة القنوات الخارجية كي يبث الحقيقة ويدحر كذب بشار وإعلامه بأن لا قتلى ولا موتى.... كان في نفس ذلك الوقت يحلم عروة أن يلبي دعوة مهرجان الدوحة السينمائي،كي ينثر إبداعه ويوصل رسالة بلده سوريا للعالم أجمع أنها تزف في كل دقيقة شهداء وقتلى وجرحى من كل صنوف الأعمار فلا فرق عند القتل بين الكبير والصغير.هنا فقط جلس يخطط عروة لطريقة الهرب والوصول لمهرجان الدوحة لكنه رأى أن يتخذ مزيد من التفكير كي تتحقق تلك الخطوة لإيمانه الداخلي أن بإمكانه تحقيق ما يريد،فلا تنسى عزيزي القارئ أنه مخرج يقطع المشاهد ويربطها مع بعضها البعض،يوصل تلك بتلك،ويفصل هذه عن هذه،فلا ضير أن ينجح في تحقيق هدفه بالوصول وحمل تلك الرسالة النبيلة،هنا عاد مشهد ذلك المدرس وعروة الطالب الصغير للذهن من جديد،ففي ذلك الموقف نجح عروة في التغلب عليه وهنا أيضا سينجح بلا شك في الحصول على مبتغاه

هنا جلست محتارا في هذه الصورة التي يظهر فيها عروة وهو يحمل كاميرته وينظر نحو عدسته،سألته وقتها عن هذه الصورة يا عروة إلى ماذا كنت تنظر من خلال تلك الصورة فلم تظهر مركزا خلال تلك الصورة؟فقال لي: لا أبدا لا شيء أخي الحبيب سعود،فقط كنت أنظر لعدستي لا شيء سوى ذلك قلت له حسنا لماذا كنت تبتسم وأنت تنظر لعدستك؟فقال لي:لا شيء..لا شيء حاليا يا أخي الحبيب سعود،قد تفهم في وقت لاحق..هنا فقط فهمت ما كان يعنيه عروة بكلامه لي...كان ينظر لعدسة تصويره لأنه رأى ذلك المنظر الجميل..إنه منظر النصر لقضية شعبه وحصوله على حريته وكرامته وإنتصاره على من قتل أبناء شعبه الأبرياء...كان ينظر لتلك الصورة وذلك المشهد الذي إنطبع ورسم من تلقاء نفسه على عدسة كاميرة عروة،فإبتسم وقتها عروة إبتسامة جميلة وكان ينتظر نعم ينتظر،فماذا كان ينتظر عروة يا ترى؟لقد كان ينتظر تلك اللحظة التي يحين فيها الإذن لإصبعه كي يضغط على زر إلتقاط الصورة الجميلة،،،ما أجملك يا عروة فأنت فعلا مخرج ذكي،فلأجل ذلك لم تخبرني لماذا كنت تنظر لعدستك وأحببت أن لا تحرق المشهد علي كمتابع لأنك سوف تخرجه لي بأجمل صورة،وأبهى حلة،فأنت رأيت في تلك الصورة في عدستك نضالك المقتول والذي سيتحول بإذن الله إلى مشهد حقيقي مأمول سيعجز من خلاله قلمي يا أخي عروة عن وصف مشاعر ذلك المشهد المأمول الذي لن يستطيع قلمي مهما أوتي من فصاحة اللسان وعذب البيان وسحر الألحان فمهما حاولت...وسطرت..ورسمت فستبقى أنت المخرج الذي سيصيغ كل ملاحم..و مشاهد..و وقائع...تلك الصورة التي يجب أن تخرج من تلك العدسة الجميلة
لا ضاق صدرك والليالي تحدتك...اصبر عليها والصبر زين لو طـال
لا تنحنـي للوقت وتروح هيبتـك...وتموت بالحسرة ولو كنت رجّـال
وإنتبه تدور عند الأنذال حاجتك...لا تنقضى الحاجة ولا تستر الحال
واحذر تبين لأشنع الناس شدتك...لوخنت لحظه حكت فيك الأجيـال

ســعود المــحمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق