السبت، 29 أكتوبر 2011

مجتمعون في إنتظار ونائم يكتب أعذار..!

في البيت:
 
 
عدت من العمل في تمام الساعة السادسة تقريبا،دخلت فوجدت طعام غدائي قد أعدته أمي كالعادة ووضعته لي على المائدة((شكرا أمي،أقلقتك البارحة))،تناولت طعامي سريعا،إتجهت لغرفتي وشغلت جهاز الحاسوب،لقد أعمى ضوء شاشته عيناي المتعبة من عناء يوم عمل،كانت هناك رسالة في البريد الوارد،إنه صديقاٌ لي يقول:بعد السلام:أخي سعود كيف الحال،اليوم لدينا إجتماع بالأخص الساعة 9 مساءاً نتمنى حضورك للأهمية، فأجبته:حسنا أخي الكريم سأحرص على الحضور بالطبع
 
 
في المسجد:
 
 
الساعة السابعة والربع،أديت صلاة العشاء وبعدها توجهت صوب باب المسجد للخروج وفجأة فجر مسامعي صدى صوته وهو آتي من بعيد ينادي بأعلى صوته:سعووووووووووود!! وناظرت لصاحب ذلك الصوت،إنه جارنا جاء يلهث مسرعاً نحوي،كيف حالك يا سعود؟ أين كنت في الأيام الماضية؟ لم أرك فيما سبق؟ و و و....سيلاٌ من الأسئلة ألقاها علي دفعة واحدة،أيهم سأجيب وأيهم سوف أبدأ به؟حسنا يا سعود تفضل معي في بيتنا لشرب القهوة وتناول الرطب،إمممم حسنا باقي زهاء الساعة وخمس وأربعون دقيقة على موعد إجتماعي مع صديقي وسألبي دعوتك يا جارنا العزيز
 
 
في الشارع:
 
 
وبينما نحن ذاهبون أنا وجاري متجهين صوب منزله للدخول،رن فجأة هاتفي الجوال!! إنها رسالة نصية جاء فيها: السلام عليكم((كان صديقي دكتور الجامعة))أرجو أن يكون الخطاب الذي طلبت منك مساعدتي في كتابته جاهزاً،فضلا قم بعمل مسح ضوئي له وأرسله عبر الإيميل!! هنا قال لي جارنا هيا يا سعود تفضل ما بالك تبدو ساكنا لا تتحرك،تلعثم وجهي وسكت لساني!! فإعتذرت منه عن الحضور وأخبرته بالأمر فقال لي أرسلها لصاحبك لاحقا،فأخبرته أني سأضطر للعودة إلى العمل لأني نسيت ذلك الخطاب في مكتبي،فقال لي:دقائق قليلة يا سعود لن تأخذ من وقتك،أخبرته أنه ليس هناك متسع من الوقت،فلدي إجتماع بعد ساعة وأربعين دقيقة من الآن،وأيضا الوقت الذي سيستغرقه ذهابي إلى عملي لكي أخذ خطاب ذلك الدكتور وأقوم بعملية إرساله لإيميله،كلها ستأخذ وقت مني،أعدك أن أزورك لاحقا بعد فراغي من تلك الأشياء،حسنا ياسعود سوف أنتظرك بعد فراغك وسوف تنتظرك تلك القهوة المسترسلة بخليطها الذهبي كما تصفها لي،وسوف تنتظرك تلك الرطيبات المجعدة الشكل كما تصفها لي أيضا،حسنا أيها الجار سوف لن أنسى إن شاء الله



في العمل:
 
 
ترجلت من سيارتي مسرعا صوب المصعد،جلست أضغط على زر المصعد بكل قوة لكي ينزل،يا إلهي لا يوجد أحد سواي في هذا الوقت وحارس الأمن،فلماذا يتأخر المصعد دوما في نزوله.هممت بسرعة كسرعة الرياح العاتية متجها صوب مكتبي،فتحت جميع أدراجي بحثا عن الخطاب الخاص بالدكتور،حمدا لله لقد وجدته،سأقوم بإرساله،حسنا باقي على الإجتماع قرابة الساعة وثلاثون دقيقة،لامانع من إلتقاط أنفاسي لقليل من الوقت،ذهبت لإعداد كوب من القهوة ليطير مابي من خيوط النعاس التي ما تزال متشبثة برموش عيناي،هذه المرة سأعد تلك القهوة بنفسي،حيث أن العامل لم يكن موجودا وقتها،آلة تسخين الماء ستحتاج لوقت كي تسخُن،أخرجت الفنجان وصببت عليه من صنبور الماء وقذفت البن بداخله،قهوة باردة!! لا مشكلة فهي تماما كبرودة تلك الأعمدة والجدران في مكتبي حينما أمرر راحة أصابعي عليها والسبب في برودتها هو ذلك التكييف المركزي المجنون في نسماته الباردة فقد تفحم لساني وأنا أخبر عامل التكييف أن يقوم بصيانته.ذهبت صوب المكتب لأقوم بإرسال ذلك الخطاب لصاحبي الدكتور،فجأة سقطت عيني على ذلك الكتاب المعانق لمكتب صديقي في العمل!! أوووه كان عنوانه جميل((كيف تكتب رواية))يا للصدفة فلقد كنت أبحث مؤخرا عن كتاب يساعدني في هذا الجانب،حسنا باقي الآن قرابة الساعة وعشرون دقيقة على موعد الإجتماع سأقرأ مقتطفات سريعة منها،حسنا تعال معي أيها الكتاب لنذهب ونجلس سويا على كرسي المكتب لنقرأ بعضنا سويا وفي الوقت نفسه نقوم بإرسال ذلك الخطاب لصاحبنا ومن بعدها نمضي لإجتماعنا مع صديقي وأخيرا تلبية دعوة جارنا في الحي
 
 
في المكتب:
 
 
سعود..سعود..سعود..إستفق قم!! أوووه ماذا؟ لقد كان ذلك الشخص حارس الأمن،أوووه ماذا حصل؟ حارس الأمن: لقد وجدت الأنوار والأبواب مفتوحة فإستغربت وجودك هنا!! أوووه يا إلهي الساعة الآن تشير للثانية والنصف ليلاً!!!!!!! يا إلهي،لقد غلبني النعاس عند قراءتي لذلك الكتاب الذي جثم على صدري فلم أشعر بنفسي
 
 
في البيت:
 
ذهبت مسرعا قاصدا سيارتي للعودة للبيت،نسيت هاتفي الجوال أيضا في سيارتي،أخرجته بسرعة،إتصالات ومجموعة من الرسائل كانت من جاري يعتب على تخلفي عن المجيء،وأخرى من صديقي الدكتور يعتب على تأخري في إرسال الخطاب،و إتصالات كوابل رصاص يخترق الفؤاد فكانت من أمي.عدت مسرعا صوب البيت دقات قلبي تسابق عجلات سيارتي،دخلت للبيت وجدت أمي تتتظرني فقالت لي موبخةً إياي: لماذا تأخرت ولماذا لم تجب على إتصالاتي؟ فشرحت لها الأمر بكامله من الألف إلى الياء وإعتذرت لها عن القلق الذي تسببت فيه،فقالت لي: حسنا إن كان كذلك،طعام العشاء في إنتظارك،يا إلهي لقد أصابني بمقتل وزلزل جنبات نفسي رد تلك المرأة،قلق عاشته في ذلك الوقت وبعد كل ذلك أسمع تلك المقولة منها: طعام العشاء ينتظرك،من أي كوكب جئتي يا أمي،يا لعظمة الأمهات،سوف يخسأ أي قلم يفكر مجرد تفكير أن يكتب عن حجم العاطفة الجياشة التي تسكن نفسوهم الطيبة المتدفقة في عطائها،مسكين أنت أيها البخل فسيبقى عدوك اللدود كرم أولئك الأمهات......سعود المحمود

الخميس، 20 أكتوبر 2011

خربشات على جبين الذاكرة

الخربشة الأولــــى

على مقاعد الدراسة الإبتدائية كانت تلك الذاكرة الحديدية التي يملكها سعود غير معرضة لحد كبير للصدأ الذي يعتري أي شيء من موجودات هذا الكون،فرغم عوامل التعرية التي تعتري مسيرة الإنسان لم تبرح تلك الذاكرة للحظة عن إستذكار وإستجلاب جميع العوالق والمشاهد المتشبثة بذاكرة ذلك العقل،في تلك المرحلة الدراسية كان سعود يتذكر كلمات مدرسيّ المواد الدينية،كانت مواد الدين تمثل تلك الأساسيات التي يجب أن يحرص المعلم على إيصالها لطلابه بالصورة السليمة والدقيقة الي لا ينبغي أن يشوبها شائبة أو تلحقها عائبة لكي لا تنتج عنها تلك الإرتدادات العكسية.كان أولئك المدرسين يشرحون تلك المواد بتركيز على جوانب معينة وإهمال لجوانب أخرى تعتبر جزء لا يتجزء من الدين الإسلامي،كبر سعود ومضى حتى وصل لصيرورة الشباب فلاحظ أن هناك أشياء لم يبلغها أولئك المدرسين لأولئك الصغار فلم نعرف سماحة الإسلام وأنه نقاء للبشرية جمعاء وأنه رسالة شاملة وكاملة بعيدة عن التطرف والإنغلاق التقوقعي والإنحسار للعقل والتفكير،فحرص أولئك المدرسين على تلقين الطلاب ذلك الدين كل مدرس حسب طريقته ورؤيته الشخصية فأضحى أولئك الطلاب الصغار يسرحون ويمرحون بين ديباجات وشروحات أولئك المدرسين لدين عظيم لم ينجحوا على إيصاله بشموليته فصوروا لنا الكفار أنهم مجرمون يجب قتلهم وسحقهم فصحيح أننا نختلف معهم عقائدياً لكن أين ذهبت سيرة خير الخلق صلى الله عليه وسلم ودروسه العظام التي تجمع المتفرق وترمم الحطام والتي رسم فيها الخطوط العريضة بشموع مضيئة عن جمالية وعذوبة التعامل المشاعري والوجداني منه صلى الله عليه وسلم تجاه غير المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين لكي يشير لنا صلى الله عليه وسلم للطريقة السامية عن تبليغ هذا الدين العظيم وكيفية التعامل مع غير المسلمين لكي يعرفوا حقيقة الإسلام وسماحته ومكنون رسالته،لكن للأسف أن أولئك المدرسين لم يعوا حقيقة سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي يجب أن تكون هي المنهجية والمحورية لتدريس هذا الدين ونقله لعقول الناشئة والصغار نقلاً بعيدا عن الجهل والظلامية والتي أخرجت لنا في نهاية المطاف إحصائية مروعة لفكر وسلوك فأصبح مدرسيّ الدين في تعليمنا رموز تُقدس تقديساً أجوف أعمى بدل أن يكونوا قدوة وأن يوصفوا بذلك الوصف النبيل الذي يوصف به المعلم دوماً فصارت عقول أولئك الطلاب الصغار من ممتلكات أولئك المدرسين ومن هم في حكمهم فلم يتم توضيح أن تلك التبعية العقلية خاطئة في عُرف الدين الإسلامي بين طالب رهين ومعلم دين،فكيف لإنسان كرمه الله بنعمة العقل أن يجعل عقله مسلم تسليماً بشعاً بهذه الطريقة.حتى كيفية وفنون الإختلاف الديني والتي لها في الإسلام وضوح بيان وشفافية ألحان لم يحظى أولئك الأطفال الصغار بتعليم سليم مقتبس من قبس وضوء الدين الحنيف عن ماهية الإختلاف وكيف ومتى وأين يكون بعيداً عن مطرقة اللهجة المكهربة والإستعدائية وسندان التشدد الأعمى الذي خرج منه ذلك المسمار الصغير المسكين تحيط بجوانبه تلك الإعوجاجات التي شوهت جسمه النحيل وأنهك مفاصله ذلك التفصيل.


الخربشة الثانيــــة

ذات مرة عندما كنت في المرحلة المتوسطة دخل على طلاب ذلك الفصل مدرس مادة التعبير كان ذلك المدرس متدين،طلب منهم كتابة موضوع تعبيري وكان عنوان ذلك الموضوع المطلوب من قبله هو-الجهاد وأثره على الفرد والمجتمع-فكتب جميع الطلاب عن ذلك الموضوع،في اليوم التالي إستدعى ذلك المدرس سعود عند مكتب المرشد الطلابي وكان يحمل ذلك المدرس وقتها دفتر سعود الخاص بمادة التعبير،جلس سعود في مكتب المرشد الطلابي فقال له: ما هذا الكلام المكتوب في دفترك والخاص بمادة التعبير،فرد سعود قائلا: المدرس طلب منا أن نكتب عن الجهاد وأثره على الفرد والمجتمع وأنا كتبت موضوعي التعبيري حسب زوايا العنوان الذي حدده لنا المدرس،فرد المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير على سعود بقولهم: لكنك خرجت تمام الخروج عن خطوط العنوان الموضح لكم كطلاب،فلم تتكلم ولم تتطرق لجهاد الكفار والمشركين وضرورة عدم موالاتهم ولم تسوق الآيات الدالة على ذلك ولم تُطعم ذلك الموضوع بالأحاديث النبوية على ضرورة الجهاد!! فنظر سعود وقتها بدهشة كبيرة لتقاسيم وجوه ذلك المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير،فعقب سعود قائلا: هل مفهوم الجهاد في ديننا الإسلامي يتم حصره برفع السيوف وتجييش الجيوش وتجميع الصفوف يا أساتذتي الكرام؟ كان موضوع سعود التعبيري الذي كتبه في سطور بسيطة كالتالي وما زال يستحضر جميع كلمات ذلك الموضوع التعبيري الذي لم يندثر رغم تعاقب غبار ورياح السنوات عليه فكانت كلمات ذلك الموضوع التعبيري هي: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام وواجب مُلح على كل الفئام،فعندما نزل الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يأمره الله سبحانه وتعالى بالجهاد على الفور وإنما جلس يعد له سنوات طوال فكانت بداية الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدعوة إلى الإسلام ودين الله عز وجل وتوحيده فلم يكن الأمر الرباني لنبينا هو الدعوة للقتال والجهاد أولاً قبل الدعوة لدين الإسلام ولم يكن مقدما عليه في تلك الفترة ولما طلب عدد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم كسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم بعد أن إزداد عددهم في مكة أن يؤذن لهم بقتال المشركين رد عليهم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله" كفوا أيديكم عنهم فإني لم أؤمر بقتالهم".والجهاد له أشكال كثيرة فأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وأيضا جهاد النفس وكذلك جهاد الكلمة فكل تلك الجهادات مشمولة في تلك الكلمة الكبيرة،وعندما لم يأمر الله عز وجل نبيه بالجهاد مباشرة أراد سبحانه التنويه لعظيم أن يكون معنى الجهاد مفهوما لدى البشرية جمعاء،فيجب على كل مسلم أن يوسع مداركه في فهم كلمة الجهاد وما يندرج تحت تلك الكلمة من معاني عظيمة يُفضي سوء فهمها لأخطاء جسيمة.كانت تلك كلمات ذلك الموضوع التعبيري الذي عبر عنه سعود في ذلك الموضوع المطلوب من أولئك الطلاب،في تلك الأثناء تحدث ذلك المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير لوالد سعود هاتفيا وطلبا منه القدوم للمدرسة فجلس وقتها أبي يستمع لكلام المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير الذي ذكروا فيه: إن إبنك قد كتب كلاما ينافي التربية الدينية السوية التي يجب أن يتخلق بها الصغار وينشئوا عليها،ننصحك بالجلوس معه فقد يكون هذا الإبن يعايش إنحرافا عقليا أو تأثراً فكريا يضر بعقيدته الإسلامية فكلامه الذي ذكره في موضوعه التعبيري يحمل أفكار موالاة للكفار الذين هم أعداء للمسلمين ويجب عدم إظهار أي مشاعر ألفة لهم،هنا كانت نظرات أبي موجهة لي ولم أعرف تفسيراً لها،وعندما ركبنا السيارة متجهين نحو البيت جلس أبي يقول لي:هذه هي مشكلتنا مع الأشخاص الذين لم يحسنوا تلقيننا الدين فهم يلقنونا الدين حسب مبادئهم الشخصية العاداتية وليس حسب مبادئ الإسلام الشرعية جلست أفكر ونحن في طريق عودتنا للبيت في تلك الكلمة التي ذكرها لي أبي،فحاولت إيجاد ربط وتفسير بين رمقته لي بتلك النظرة وبين تلك الكلمة التي ذكرها لي،فلم أجد تفسيراً هل كان مؤيد أم معارض لموضوعي التعبيري الذي كتبته في ذلك الوقت،لكنه في النهاية أبي وسوف أقبل أي شيء يبدر منه.


الخربشة الأخيــــرة

ذات مرة ذهبت مع والدتي قاصدين ذلك المطعم للغداء،فجلسنا على الطاولة وكان يجلس على الطاولة المجاورة لنا شاب حسن الهندام والملبس وفي الطرف الآخر كانت هناك سيدة جميلة وجهها وضاء كما القمر في ليلة سوداء،كانت رائحة العطر تفوح من أحشاء عباءتها فذهبت وجلست على طاولة ذلك الشاب،قذفت وقتها بسهام سمعي على تلك الطاولة وسمعت حديثاً غرامياً غارق في بحر شوقه وسمعت تلك الكلمات الخادشة في حيائها لطفل لا ينبغي له أن يسمع مثل تلك الكلمات في ذلك العمر الصغير،فإلتفتت لي أمي وقتها قائلة لي: مابالك لا تأكل فأشرت لها صوب تلك المرأة وذلك الرجل وحديثهم الموغل في عشقيّته وغراميته فوبختني وقتها وقالت لي: عيب عيب يا سعود أن تسترق السمع على أحاديث الناس فإختلاس السمع ليس من مبادئ الإسلام وهذا عيب عيب،وعندما كبرت عرفت لاحقا أن إختلاس السمع حرام حرام،وأدركت أننا عرفنا الإسلام بالعادات والتقاليد فرُسمت في أذهاننا صورة المبهمات والتعقيد فلم نعرف كثير من مضامين وتلاوين حقيقة الإسلام السمحة والنقية بل عرفنا تلك الهوامش المنزوية والعناوين الضيقة.....سعود المحمود

الخميس، 13 أكتوبر 2011

أبــي شكراً لك مع صادق حبــي

يحل تاريخ هذا اليوم فيحمل في طياته إستجلابات لذكريات حياة ذلك الإبن مع والده،كانت حياة حُب متبادلة لردح من الزمن هي مدة تلك الحياة التي جمعت ذلك الإبن مع أبيه.الأب كلمة عظيمة المعاني حلوة الأماني لا يستطيع أي كاتب مهما أوتي من الأنامل الخرافية أن يُسعف تلك الكلمة فيعطيها حقها من الوصف البياني والمشاعري على حد سواء.سنوات مضت بصباحاتها ومساءاتها ولياليها يقطع بعضها بعضا ويمزق نفسها نفسا على رحيل ذلك الأب عن مشهد عيني إبنه،تصرمت تلك السنوات تترا يلحق أولها بسابقها،ومع حلول كل سنة لذكرى الرحيل يستذكر ذلك الإبن حياةً جميلة جمعته في ظل ذلك الأب،مع حلول كل سنة على ذلك الرحيل يتفكر ذلك الولد الذي ما يزال يرى في نفسه أنه ذلك الطفل الصغير فهو لا يزال يعيش بين جنباته وظهرانيه رغم أنه أضحى شابا وبلغ سن الشباب والقوة. يستذكر ذلك الولد الصغير تلك الأحداث والوقائع التي سطرها الزمن على جبين الذاكرة،فذات مرة حينما كان ذلك الولد الصغير في صفوف المرحلة الإبتدائية وبعد إنتهاء اليوم الدراسي في ذلك الوقت جلس ذلك الولد الصغير ينتظر قدوم أبيه للمدرسة كي يأخذه للمنزل،حينها جلس ذلك الولد حاملا حقيبته المدرسية على ظهره فتارة ينظر للأرض ومرة ينظر للشمس وأخرى ينظر لمن حوله،لقد إنصرف تقريبا جميع الطلاب في ذلك الوقت،كانت حرارة الشمس حارقة حينها بخيوطها الذهبية المنسدلة على أطراف السماء،هنا جاءت تلك السيارة وتوقفت عند ذلك الولد الصغير،إنه أبي لقد جاء بعد طول إنتظار،فتح ذلك الولد الصغير باب السيارة وحمل حقيبته التي أثقلت كاهله فوضعها من على ظهره جانبا وركب السيارة.في الطريق نحو البيت إستل ذلك الأب منديلا فأعطاه لذلك الولد الصغير كي يمسح ذلك العرق الذي كان يتصبب من على جبينه فمسح ذلك الولد الصغير جبينه المتآخذ في إنهمار العرق،فنظر وقتها ذلك الأب لوجه الولد الصغير فعلم حجم الأرق الذي سببه طول إنتظار الولد الصغير ريثما جاءت سيارة الأب نحو ولده.إعتذر ذلك الأب من إبنه حينها أن السبب كان هو زحمة الطريق التي إعترضته وهو في طريقه نحو مدرسة ذلك الولد الصغير،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه إعتذار شخص كبير لشخص صغير. وفي زاوية أخرى يتذكر ذلك الولد الصغير أول يوم دراسي له في الركب الدراسي حينما أخذ والده يده ممسكا بها ومتجها مع ذلك الولد الصغير سيرا على الأقدام نحو المدرسة لتسجيله في تلك المدرسة يد كبيرة كانت تمسك بيد صغيرة تناقلت من خلال تلك الملامسة كثير من الدفء الأبوي الحاني بين كلا الطرفين،سار الإثنان سويا وفي تلك الأثناء جلس الولد الصغير مطأطأ الرأس يراقب خطوات أبيه ولم يكن يأبه أنه قد يصادفه شيء يعرقل سيره فوالده في المقابل كان هو تلك اليد التي سوف تمسك به لو إصطدم  بعارض يعترض طريقه فلم يكن يقلق وقتها وواصل سيره حتى وصل لتلك المدرسة وتم تسجيله فيها،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه إمساك يد شخص كبير ليد شخص صغير.وفي أحد المرات إصطحب الأب ذلك الولد الصغير للحديقة التي كانت تجاور منزلهم،كانت حديقة يسكن في وسطها أرجوحة فركب ذلك الولد الصغير على تلك الأرجوحة وهنا أيضا لن يلتفت ذلك الولد الصغير للخلف لأن ذلك الأب سيكون بدوره واقفا خلفه يدفعه للأمام فلا حاجة تُذكر أن يلتفت الولد الصغير لما هو خلفه، دار حوار قصير بين الأب والولد الصغير فكان الولد الصغير يقول لأبيه: لماذا يا أبي عندما أرتفع أرى قمم الأشياء التي حولي وعندما أنخفض أرى وسط تلك الأشياء؟ فرد الأب بدوره قائلا: هذا أمر طبيعي فكلما نرتفع نرى الأشياء بشكل مختلف عن رؤيتنا العادية لها ونحن منخفضين!! فرد الولد الصغير حينها بقوله أني لم أفهم يا أبي فماذا تقصد بكلامك هذا؟ فرد الأب قائلا: عندما تكبر ستعلم ماذا يعني كلامي لك يا ولدي،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه كلام شخص كبير لشخص صغير.في جانب آخر كان ينتظر ذلك الولد الصغير إختبار دراسي لكنه وقتها لم يكن يدرس ويعد لذلك الإختبار فكان يلهو ويلعب تاركا أمر المذاكرة جانبا فجاءه والده وأخذ يوبخ الولد الصغير على ذلك التصرف الذي بدى منه فجلس الولد الصغير يقول لماذا توبخني يا أبي فسكت الأب حينها وطلب منه أن يذهب كي يذاكر،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه توبيخ شخص كبير لشخص صغير.مات ذلك الأب ورحل عن محيط أعين الولد الصغير ومضت السنين يردد صداها ذلك الأنين عن حب دفين وشعور صدق ثمين،كان ذلك الولد الصغير تعاهد نفسه بولاء ووفاء لذلك الأب وذكراه التي لن تمحى بمجرد رحيل ذلك الأب،فكان ذلك الولد الصغير في كل مرة تشرقُ فيه شمس جمعة الأسبوع يذهب ليزور قبر أبيه بعد أن يلقي دعاء الدخول على تلك القبور،فيجلس بجوار قبر أبيه فتردد شفاه ذلك الولد الصغير تلك الدعوات كي تصعد للعوالم الفوقية والسماوات العلوية فتطرق أبواب رب البريات قائلة: يا الله إن لي أباً قد كان سبباً من بعدك لوجودي في هذه الحياة فأنت سبحانك من يقول للشيء كن فيكون فتجعل لكينونته أسباب،وأنت سبحانك قرنت حقك العظيم بحق الوالدين فقضيت أن لا يعبد إلا أنت ثم بالوالدين إحسانا،يا الله هذه دعوات ترتفع لك من قلب ولسان الولد الصغير لأبيه ظاهرها الرجاء بمغفرة ورحمة تشمله من عندك وباطنها عتق من النيران تكتبها لذلك الأب وفحواها دعاء أن تكون سكناه جنة عرضها السماوات والأرض و مضمونها عهد من ذلك الولد الصغير بديمومة وإستمرار الدعاء من قبله لذلك الأب في كل مواطن وأوقات الدعاء.هنا شارف وقت زيارة ذلك الولد الصغير لوالده على الإنتهاء فجلس يمضي ممسكا بقلمه وكان القلم ينزف حبره على قارعة الطريق فسأل ذلك الولد الصغير قلمه حينها قائلا له: ما بالُ حبرك ينزف؟ فرد قائلا له: لقد أظناني الشوق لأبيك يا صديقي،فرد الولد الصغير على قلمه قائلا تلك الكلمات التي دوما ما يستحضرها عن أبيه: يا قلمي إن حبُ والدي يسكن في العروق،،،هو جارف ودافئ وصدوق،،،وحلف أن لا يتشرب غيره أو يذوق،،،فهو عن العين مفقود،،،لكنه في المخيلة موجود،،،وسنبقى مرتبطين على العهود،،،مخلصين لتلك الوعود،،،فلنمتطي صهوة تلك الجياد يا قلمي ولنواصل ركب الحياة حتى يحين وقت الممات،((رحمك الله يا أبي وجميع آباء وأمهات المسلمين وجزاك الله خير ما جزى إبناً عن أبيه)) إنه لعبث وضرب من الجنون أن نحكي عن جناب الآباء وفضائلهم،فسيصمت كل قلم ولن يقوى عن الحديث و الوصف وحياكة الحرف حينما يكون الطرف الآخر هم الآباء،أبــي شكراً لك مع صادق حبــي..سعود المحمود