الخميس، 20 أكتوبر 2011

خربشات على جبين الذاكرة

الخربشة الأولــــى

على مقاعد الدراسة الإبتدائية كانت تلك الذاكرة الحديدية التي يملكها سعود غير معرضة لحد كبير للصدأ الذي يعتري أي شيء من موجودات هذا الكون،فرغم عوامل التعرية التي تعتري مسيرة الإنسان لم تبرح تلك الذاكرة للحظة عن إستذكار وإستجلاب جميع العوالق والمشاهد المتشبثة بذاكرة ذلك العقل،في تلك المرحلة الدراسية كان سعود يتذكر كلمات مدرسيّ المواد الدينية،كانت مواد الدين تمثل تلك الأساسيات التي يجب أن يحرص المعلم على إيصالها لطلابه بالصورة السليمة والدقيقة الي لا ينبغي أن يشوبها شائبة أو تلحقها عائبة لكي لا تنتج عنها تلك الإرتدادات العكسية.كان أولئك المدرسين يشرحون تلك المواد بتركيز على جوانب معينة وإهمال لجوانب أخرى تعتبر جزء لا يتجزء من الدين الإسلامي،كبر سعود ومضى حتى وصل لصيرورة الشباب فلاحظ أن هناك أشياء لم يبلغها أولئك المدرسين لأولئك الصغار فلم نعرف سماحة الإسلام وأنه نقاء للبشرية جمعاء وأنه رسالة شاملة وكاملة بعيدة عن التطرف والإنغلاق التقوقعي والإنحسار للعقل والتفكير،فحرص أولئك المدرسين على تلقين الطلاب ذلك الدين كل مدرس حسب طريقته ورؤيته الشخصية فأضحى أولئك الطلاب الصغار يسرحون ويمرحون بين ديباجات وشروحات أولئك المدرسين لدين عظيم لم ينجحوا على إيصاله بشموليته فصوروا لنا الكفار أنهم مجرمون يجب قتلهم وسحقهم فصحيح أننا نختلف معهم عقائدياً لكن أين ذهبت سيرة خير الخلق صلى الله عليه وسلم ودروسه العظام التي تجمع المتفرق وترمم الحطام والتي رسم فيها الخطوط العريضة بشموع مضيئة عن جمالية وعذوبة التعامل المشاعري والوجداني منه صلى الله عليه وسلم تجاه غير المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين لكي يشير لنا صلى الله عليه وسلم للطريقة السامية عن تبليغ هذا الدين العظيم وكيفية التعامل مع غير المسلمين لكي يعرفوا حقيقة الإسلام وسماحته ومكنون رسالته،لكن للأسف أن أولئك المدرسين لم يعوا حقيقة سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي يجب أن تكون هي المنهجية والمحورية لتدريس هذا الدين ونقله لعقول الناشئة والصغار نقلاً بعيدا عن الجهل والظلامية والتي أخرجت لنا في نهاية المطاف إحصائية مروعة لفكر وسلوك فأصبح مدرسيّ الدين في تعليمنا رموز تُقدس تقديساً أجوف أعمى بدل أن يكونوا قدوة وأن يوصفوا بذلك الوصف النبيل الذي يوصف به المعلم دوماً فصارت عقول أولئك الطلاب الصغار من ممتلكات أولئك المدرسين ومن هم في حكمهم فلم يتم توضيح أن تلك التبعية العقلية خاطئة في عُرف الدين الإسلامي بين طالب رهين ومعلم دين،فكيف لإنسان كرمه الله بنعمة العقل أن يجعل عقله مسلم تسليماً بشعاً بهذه الطريقة.حتى كيفية وفنون الإختلاف الديني والتي لها في الإسلام وضوح بيان وشفافية ألحان لم يحظى أولئك الأطفال الصغار بتعليم سليم مقتبس من قبس وضوء الدين الحنيف عن ماهية الإختلاف وكيف ومتى وأين يكون بعيداً عن مطرقة اللهجة المكهربة والإستعدائية وسندان التشدد الأعمى الذي خرج منه ذلك المسمار الصغير المسكين تحيط بجوانبه تلك الإعوجاجات التي شوهت جسمه النحيل وأنهك مفاصله ذلك التفصيل.


الخربشة الثانيــــة

ذات مرة عندما كنت في المرحلة المتوسطة دخل على طلاب ذلك الفصل مدرس مادة التعبير كان ذلك المدرس متدين،طلب منهم كتابة موضوع تعبيري وكان عنوان ذلك الموضوع المطلوب من قبله هو-الجهاد وأثره على الفرد والمجتمع-فكتب جميع الطلاب عن ذلك الموضوع،في اليوم التالي إستدعى ذلك المدرس سعود عند مكتب المرشد الطلابي وكان يحمل ذلك المدرس وقتها دفتر سعود الخاص بمادة التعبير،جلس سعود في مكتب المرشد الطلابي فقال له: ما هذا الكلام المكتوب في دفترك والخاص بمادة التعبير،فرد سعود قائلا: المدرس طلب منا أن نكتب عن الجهاد وأثره على الفرد والمجتمع وأنا كتبت موضوعي التعبيري حسب زوايا العنوان الذي حدده لنا المدرس،فرد المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير على سعود بقولهم: لكنك خرجت تمام الخروج عن خطوط العنوان الموضح لكم كطلاب،فلم تتكلم ولم تتطرق لجهاد الكفار والمشركين وضرورة عدم موالاتهم ولم تسوق الآيات الدالة على ذلك ولم تُطعم ذلك الموضوع بالأحاديث النبوية على ضرورة الجهاد!! فنظر سعود وقتها بدهشة كبيرة لتقاسيم وجوه ذلك المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير،فعقب سعود قائلا: هل مفهوم الجهاد في ديننا الإسلامي يتم حصره برفع السيوف وتجييش الجيوش وتجميع الصفوف يا أساتذتي الكرام؟ كان موضوع سعود التعبيري الذي كتبه في سطور بسيطة كالتالي وما زال يستحضر جميع كلمات ذلك الموضوع التعبيري الذي لم يندثر رغم تعاقب غبار ورياح السنوات عليه فكانت كلمات ذلك الموضوع التعبيري هي: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام وواجب مُلح على كل الفئام،فعندما نزل الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يأمره الله سبحانه وتعالى بالجهاد على الفور وإنما جلس يعد له سنوات طوال فكانت بداية الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدعوة إلى الإسلام ودين الله عز وجل وتوحيده فلم يكن الأمر الرباني لنبينا هو الدعوة للقتال والجهاد أولاً قبل الدعوة لدين الإسلام ولم يكن مقدما عليه في تلك الفترة ولما طلب عدد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم كسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم بعد أن إزداد عددهم في مكة أن يؤذن لهم بقتال المشركين رد عليهم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله" كفوا أيديكم عنهم فإني لم أؤمر بقتالهم".والجهاد له أشكال كثيرة فأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وأيضا جهاد النفس وكذلك جهاد الكلمة فكل تلك الجهادات مشمولة في تلك الكلمة الكبيرة،وعندما لم يأمر الله عز وجل نبيه بالجهاد مباشرة أراد سبحانه التنويه لعظيم أن يكون معنى الجهاد مفهوما لدى البشرية جمعاء،فيجب على كل مسلم أن يوسع مداركه في فهم كلمة الجهاد وما يندرج تحت تلك الكلمة من معاني عظيمة يُفضي سوء فهمها لأخطاء جسيمة.كانت تلك كلمات ذلك الموضوع التعبيري الذي عبر عنه سعود في ذلك الموضوع المطلوب من أولئك الطلاب،في تلك الأثناء تحدث ذلك المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير لوالد سعود هاتفيا وطلبا منه القدوم للمدرسة فجلس وقتها أبي يستمع لكلام المرشد الطلابي ومدرس مادة التعبير الذي ذكروا فيه: إن إبنك قد كتب كلاما ينافي التربية الدينية السوية التي يجب أن يتخلق بها الصغار وينشئوا عليها،ننصحك بالجلوس معه فقد يكون هذا الإبن يعايش إنحرافا عقليا أو تأثراً فكريا يضر بعقيدته الإسلامية فكلامه الذي ذكره في موضوعه التعبيري يحمل أفكار موالاة للكفار الذين هم أعداء للمسلمين ويجب عدم إظهار أي مشاعر ألفة لهم،هنا كانت نظرات أبي موجهة لي ولم أعرف تفسيراً لها،وعندما ركبنا السيارة متجهين نحو البيت جلس أبي يقول لي:هذه هي مشكلتنا مع الأشخاص الذين لم يحسنوا تلقيننا الدين فهم يلقنونا الدين حسب مبادئهم الشخصية العاداتية وليس حسب مبادئ الإسلام الشرعية جلست أفكر ونحن في طريق عودتنا للبيت في تلك الكلمة التي ذكرها لي أبي،فحاولت إيجاد ربط وتفسير بين رمقته لي بتلك النظرة وبين تلك الكلمة التي ذكرها لي،فلم أجد تفسيراً هل كان مؤيد أم معارض لموضوعي التعبيري الذي كتبته في ذلك الوقت،لكنه في النهاية أبي وسوف أقبل أي شيء يبدر منه.


الخربشة الأخيــــرة

ذات مرة ذهبت مع والدتي قاصدين ذلك المطعم للغداء،فجلسنا على الطاولة وكان يجلس على الطاولة المجاورة لنا شاب حسن الهندام والملبس وفي الطرف الآخر كانت هناك سيدة جميلة وجهها وضاء كما القمر في ليلة سوداء،كانت رائحة العطر تفوح من أحشاء عباءتها فذهبت وجلست على طاولة ذلك الشاب،قذفت وقتها بسهام سمعي على تلك الطاولة وسمعت حديثاً غرامياً غارق في بحر شوقه وسمعت تلك الكلمات الخادشة في حيائها لطفل لا ينبغي له أن يسمع مثل تلك الكلمات في ذلك العمر الصغير،فإلتفتت لي أمي وقتها قائلة لي: مابالك لا تأكل فأشرت لها صوب تلك المرأة وذلك الرجل وحديثهم الموغل في عشقيّته وغراميته فوبختني وقتها وقالت لي: عيب عيب يا سعود أن تسترق السمع على أحاديث الناس فإختلاس السمع ليس من مبادئ الإسلام وهذا عيب عيب،وعندما كبرت عرفت لاحقا أن إختلاس السمع حرام حرام،وأدركت أننا عرفنا الإسلام بالعادات والتقاليد فرُسمت في أذهاننا صورة المبهمات والتعقيد فلم نعرف كثير من مضامين وتلاوين حقيقة الإسلام السمحة والنقية بل عرفنا تلك الهوامش المنزوية والعناوين الضيقة.....سعود المحمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق