يحل تاريخ هذا اليوم فيحمل في طياته إستجلابات لذكريات حياة ذلك الإبن مع والده،كانت حياة حُب متبادلة لردح من الزمن هي مدة تلك الحياة التي جمعت ذلك الإبن مع أبيه.الأب كلمة عظيمة المعاني حلوة الأماني لا يستطيع أي كاتب مهما أوتي من الأنامل الخرافية أن يُسعف تلك الكلمة فيعطيها حقها من الوصف البياني والمشاعري على حد سواء.سنوات مضت بصباحاتها ومساءاتها ولياليها يقطع بعضها بعضا ويمزق نفسها نفسا على رحيل ذلك الأب عن مشهد عيني إبنه،تصرمت تلك السنوات تترا يلحق أولها بسابقها،ومع حلول كل سنة لذكرى الرحيل يستذكر ذلك الإبن حياةً جميلة جمعته في ظل ذلك الأب،مع حلول كل سنة على ذلك الرحيل يتفكر ذلك الولد الذي ما يزال يرى في نفسه أنه ذلك الطفل الصغير فهو لا يزال يعيش بين جنباته وظهرانيه رغم أنه أضحى شابا وبلغ سن الشباب والقوة. يستذكر ذلك الولد الصغير تلك الأحداث والوقائع التي سطرها الزمن على جبين الذاكرة،فذات مرة حينما كان ذلك الولد الصغير في صفوف المرحلة الإبتدائية وبعد إنتهاء اليوم الدراسي في ذلك الوقت جلس ذلك الولد الصغير ينتظر قدوم أبيه للمدرسة كي يأخذه للمنزل،حينها جلس ذلك الولد حاملا حقيبته المدرسية على ظهره فتارة ينظر للأرض ومرة ينظر للشمس وأخرى ينظر لمن حوله،لقد إنصرف تقريبا جميع الطلاب في ذلك الوقت،كانت حرارة الشمس حارقة حينها بخيوطها الذهبية المنسدلة على أطراف السماء،هنا جاءت تلك السيارة وتوقفت عند ذلك الولد الصغير،إنه أبي لقد جاء بعد طول إنتظار،فتح ذلك الولد الصغير باب السيارة وحمل حقيبته التي أثقلت كاهله فوضعها من على ظهره جانبا وركب السيارة.في الطريق نحو البيت إستل ذلك الأب منديلا فأعطاه لذلك الولد الصغير كي يمسح ذلك العرق الذي كان يتصبب من على جبينه فمسح ذلك الولد الصغير جبينه المتآخذ في إنهمار العرق،فنظر وقتها ذلك الأب لوجه الولد الصغير فعلم حجم الأرق الذي سببه طول إنتظار الولد الصغير ريثما جاءت سيارة الأب نحو ولده.إعتذر ذلك الأب من إبنه حينها أن السبب كان هو زحمة الطريق التي إعترضته وهو في طريقه نحو مدرسة ذلك الولد الصغير،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه إعتذار شخص كبير لشخص صغير. وفي زاوية أخرى يتذكر ذلك الولد الصغير أول يوم دراسي له في الركب الدراسي حينما أخذ والده يده ممسكا بها ومتجها مع ذلك الولد الصغير سيرا على الأقدام نحو المدرسة لتسجيله في تلك المدرسة يد كبيرة كانت تمسك بيد صغيرة تناقلت من خلال تلك الملامسة كثير من الدفء الأبوي الحاني بين كلا الطرفين،سار الإثنان سويا وفي تلك الأثناء جلس الولد الصغير مطأطأ الرأس يراقب خطوات أبيه ولم يكن يأبه أنه قد يصادفه شيء يعرقل سيره فوالده في المقابل كان هو تلك اليد التي سوف تمسك به لو إصطدم بعارض يعترض طريقه فلم يكن يقلق وقتها وواصل سيره حتى وصل لتلك المدرسة وتم تسجيله فيها،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه إمساك يد شخص كبير ليد شخص صغير.وفي أحد المرات إصطحب الأب ذلك الولد الصغير للحديقة التي كانت تجاور منزلهم،كانت حديقة يسكن في وسطها أرجوحة فركب ذلك الولد الصغير على تلك الأرجوحة وهنا أيضا لن يلتفت ذلك الولد الصغير للخلف لأن ذلك الأب سيكون بدوره واقفا خلفه يدفعه للأمام فلا حاجة تُذكر أن يلتفت الولد الصغير لما هو خلفه، دار حوار قصير بين الأب والولد الصغير فكان الولد الصغير يقول لأبيه: لماذا يا أبي عندما أرتفع أرى قمم الأشياء التي حولي وعندما أنخفض أرى وسط تلك الأشياء؟ فرد الأب بدوره قائلا: هذا أمر طبيعي فكلما نرتفع نرى الأشياء بشكل مختلف عن رؤيتنا العادية لها ونحن منخفضين!! فرد الولد الصغير حينها بقوله أني لم أفهم يا أبي فماذا تقصد بكلامك هذا؟ فرد الأب قائلا: عندما تكبر ستعلم ماذا يعني كلامي لك يا ولدي،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه كلام شخص كبير لشخص صغير.في جانب آخر كان ينتظر ذلك الولد الصغير إختبار دراسي لكنه وقتها لم يكن يدرس ويعد لذلك الإختبار فكان يلهو ويلعب تاركا أمر المذاكرة جانبا فجاءه والده وأخذ يوبخ الولد الصغير على ذلك التصرف الذي بدى منه فجلس الولد الصغير يقول لماذا توبخني يا أبي فسكت الأب حينها وطلب منه أن يذهب كي يذاكر،فعرف ذلك الولد الصغير فيما بعد ما يعنيه توبيخ شخص كبير لشخص صغير.مات ذلك الأب ورحل عن محيط أعين الولد الصغير ومضت السنين يردد صداها ذلك الأنين عن حب دفين وشعور صدق ثمين،كان ذلك الولد الصغير تعاهد نفسه بولاء ووفاء لذلك الأب وذكراه التي لن تمحى بمجرد رحيل ذلك الأب،فكان ذلك الولد الصغير في كل مرة تشرقُ فيه شمس جمعة الأسبوع يذهب ليزور قبر أبيه بعد أن يلقي دعاء الدخول على تلك القبور،فيجلس بجوار قبر أبيه فتردد شفاه ذلك الولد الصغير تلك الدعوات كي تصعد للعوالم الفوقية والسماوات العلوية فتطرق أبواب رب البريات قائلة: يا الله إن لي أباً قد كان سبباً من بعدك لوجودي في هذه الحياة فأنت سبحانك من يقول للشيء كن فيكون فتجعل لكينونته أسباب،وأنت سبحانك قرنت حقك العظيم بحق الوالدين فقضيت أن لا يعبد إلا أنت ثم بالوالدين إحسانا،يا الله هذه دعوات ترتفع لك من قلب ولسان الولد الصغير لأبيه ظاهرها الرجاء بمغفرة ورحمة تشمله من عندك وباطنها عتق من النيران تكتبها لذلك الأب وفحواها دعاء أن تكون سكناه جنة عرضها السماوات والأرض و مضمونها عهد من ذلك الولد الصغير بديمومة وإستمرار الدعاء من قبله لذلك الأب في كل مواطن وأوقات الدعاء.هنا شارف وقت زيارة ذلك الولد الصغير لوالده على الإنتهاء فجلس يمضي ممسكا بقلمه وكان القلم ينزف حبره على قارعة الطريق فسأل ذلك الولد الصغير قلمه حينها قائلا له: ما بالُ حبرك ينزف؟ فرد قائلا له: لقد أظناني الشوق لأبيك يا صديقي،فرد الولد الصغير على قلمه قائلا تلك الكلمات التي دوما ما يستحضرها عن أبيه: يا قلمي إن حبُ والدي يسكن في العروق،،،هو جارف ودافئ وصدوق،،،وحلف أن لا يتشرب غيره أو يذوق،،،فهو عن العين مفقود،،،لكنه في المخيلة موجود،،،وسنبقى مرتبطين على العهود،،،مخلصين لتلك الوعود،،،فلنمتطي صهوة تلك الجياد يا قلمي ولنواصل ركب الحياة حتى يحين وقت الممات،((رحمك الله يا أبي وجميع آباء وأمهات المسلمين وجزاك الله خير ما جزى إبناً عن أبيه)) إنه لعبث وضرب من الجنون أن نحكي عن جناب الآباء وفضائلهم،فسيصمت كل قلم ولن يقوى عن الحديث و الوصف وحياكة الحرف حينما يكون الطرف الآخر هم الآباء،أبــي شكراً لك مع صادق حبــي..سعود المحمود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق