كنت بالأمس متجها بسيارتي عائداً نحو البيت وفي طريقي عودتي قصدت محل التموينات لغرض شراء بعض الأغراض..فجأة!! وقبل نزولي من السيارة سقطت عيناي على ذلك الرجل الذي كان يجلس عند المحل تأملت وجه الرجل جيدا وعدت إلى الوراء سنوات عديدة جدا جدا أووووه تذكرت من هو ذلك الرجل؟ إنه الصديق الحميم لوالدي رحمه الله، بالفعل مضى وقت طويل منذ أن رأيته لآخر مرة..وكانت آخر مرة رأيته فيها عندما كان يزور والدي في مرضه،وكان كذلك يزور والدي بعد صلاة كل جمعة لدينا في البيت كما هي عادته حيث كانا يجتمعان نهاية كل أسبوع،حيث كان يجتمع شمل الأصحاب ويتم تبادل الأخبار والمشاعر الأخوية الصادقة فيما بينهم،كنت أتذكر مدى علاقة الصداقة الجميلة التي جمعتهما سوياً ومع بقية الأصحاب.هنا قمت بوضع إصبعي على شريط تلك الأحداث وأوقفتها،هممت بالنزول من سيارتي متجها نحوه وعندما اقتربت منه مددت يدي للسلام عليه وسألته:كيف حالك ياعم وحال صحتك وماهي أخبارك؟
هنا رفع وجهه تجاهي ورأيت آثار الزمان والكبر التي تركت تلك العلامات على وجهه الطيب،فقال لي: أنا بخير يابني،لكني لم أعرفك فمن أنت؟ لم استغرب أبداً اجابته لي لأني كنت أعرف أنه لم يعد كالسابق بقوته العقلية وحضوره الذهني فلقد تقدم في العمر وأصبح قليلاً ما تسعفه الذاكرة في تذكر الأشياء إلا ما ندر،فأخبرته بإسمي أني فلان ابن فلان،فصمت قليلاً فقال لي:نعم تذكرتك،كيف حالك وكيف حال أبيك! هنا بادرته بالإجابة قائلا: والدي يطلبك الحل والرحمة فهو تُوفي منذ زمن يا عم،فرد علي قائلاً:أوه نعم نعم تذكرت أنه توفي رحمه الله وغفر له أعتذر منك يا ولدي فأنا لم أعد أتذكر جيدا وأصبح ذاكرتي ضعيفة.جلس يذكر لي مواقف الصداقة الجميلة والعلاقة الأخوية التي ربطت بينهما فذهب يقول كنا نجتمع عند أبواب تلك المدرسة فنأتي لذلك المحل ونشتري منه وكنا نجتمع في ذلك الملعب ونلعب سويا وكنا نمشي في ذلك الشارع وتلك الحواري و و و و....بعدها استأذنت منه أن أنصرف فألح علي بزيارته ووعدته أن أزوره بكل تأكيد.بعد أن قضيت شراء حاجياتي من ذلك المحل،مشيت متجها نحو سيارتي وبعد أن هممت بالركوب توقفت للحظة موجها نظري نحو صديق والدي جلست أتأمل وجهه وملامحه وأمعنت جدا في نظري لها،جلست أستحضر ما قاله من كلام ووصف وحديث عن تلك العلاقة التي جمعته مع والدي،كم هو جميل الوفاء والإخلاص لذكرى من عشنا معهم عمراً لا يمكن تجاهله وقضينا معهم مشاعر..مواقف..أحداث لا يمكن نسيانها.كل ذلك تذكرته من خلال حديث ذلك الرجل الذي عبر عن وفائه واخلاصه لصداقته مع والدي بتذكره لجميع مراحل تلك الصداقة الصادقة بكل معانيها حتى وإن غاب ذلك الصديق فإنه من الجمالية والروعة أنك ما تزال تذكر ذلك الصديق رغم موته وغيابه عن هذه الحياة،يا أيها الصديق الوفي كم من الرائع أنه ما زال يعيش ذلك الرجل في كنف ذاكرتك ونفسك ولم تغب ذكراه عنك،هنا أخرجت ورقة كانت في سيارتي وكتبت فيها أن لا أنسى أن اكتب عن هذا الموقف الذي مر بي في هذا اليوم ووضعتها كورقة تذكير على مقود سيارتي كي أتذكر كتابة هذا الموضوع فإذا بي أعود للبيت وأفتح جهاز الحاسب وأكتب الموضوع دون أن أتذكر ورقة التذكير التي كتبتها فجاء التذكير من جمالية ونُبل ذلك الموقف الذي مررت به مع صديق والدي
مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله:يارسول الله لقد مات والداي فهل بقي لهم حق علي بعد موتهما أبرهما به؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:نعم بقي الترحم عليهما،والصدقة عنهما،والإستغفار لهما،وإنفاذ عهدهما من بعدهما،وإكرام صديقهما
وذات مرة جاء عبدالله ابن عمر رضي الله عنه على بادية قوم فتوقف عندهم فرأى رجلاً من وكان من علية وكبار أولئك القوم فنزل ذلك الرجل من راحلته وقام بإركاب رجل عجوز بدل منه وكان رجل يبدو عليه الفقر وأنه شخص وضيع فتعجب عبدالله ابن عمر من فعل ذلك الرجل! فذهب له وقال: ما الذي دفعك لفعل ذلك الأمر وأن تقوم بإركاب الرجل الوضيع على راحلتك؟ فقال الرجل لعبدالله بن عمر رضي الله عنه:إن ذلك الرجل كان صاحب أبي وأردت أن أبر بصاحبي أبي فلقد سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه. والمقصود بود أبيه هم أصحاب الأبوين
سعود المحمود