البخور المغردة والحروف المعلقة
في العاصمة السعودية الرياض،كان هناك مسجد منزوي في أحد أحياء تلك المدينة،كان ذلك الحي مايزال معروفاً باسم حي العُليا وكان اسم ذلك المسجد يعرف بمسجد بدر،فكأن كلا الاسمين قد مثل امتداداً للآخر فكان المسجد كبدراٍ سكن علياء ذلك الحي.كان يأُمُ ذلك المسجد إماماٌ كان ذا شخصية متعددة الجمال،كانت جسد المسجد يعيشُ في ظل إمامته حياة محاكاة متقطعة النظير لألحان صوته الشجي،كانت تراتيل صوته وترانيم صداها تروح وتغدو كلما صدح صوته بقراءة القرآن،كانت جدران المسجد تلقم مع كل صلاة رجيع ذلك الصوت العذب لتسكن في ثناياه وحتى سقفُ ذلك المسجد كأنه يحاكي عند بداية كل صلاة ذلك الإمام قائلاً له: فلتخفف علي أيها الإمام ففخامة لحِن صوتك لا أقدر على مقاومتها فأخاف أن أتصدع من بليغ آيات القرآن الكريم فتتناثر حجارتي.كان ذلك الإمام يرتدي أروع صنوف البشوت المتآخذة في سحر أنسجتها،المتفاوته في ألوانها،فأحدها مندهش في لمعان الذهب والآخر غارق في بحر الفضه والباقي متشعب ببريق خامات ملونه وأخرى مخمليه.كان جو ذلك المسجد تنبعث منه أدخنة البخور الزكية التي كانت تغرد رائحتها في سجاجيد ذلك المسجد حتى بدت خيوطها تحمل زخات عبير تلك البخور.في أحد زوايا ذلك المسجد كان هناك شيخ عجوز يجلس بعد صلاة كل مغرب فيحضر معه دلة القهوة ذات الشذى الطيب وحبات الرطب اللذيذ ويجتمع حوله أصحابه الكبار ونزر قليل من جماعة ذلك المسجد وصبي صغير كان يتولى مهمة صب القهوة.جاء الإمام ذات مرة ليسلم على الشيخ العجوز بعد أن انفض الحضور من حوله فجلس لجواره وأخذ الشيخ العجوز يمسك بخيوط بشت الإمام قائلاً له:إنها خيوط لامعة وملمسها له وقع جمال في يد من يتحسسها،فرد الإمام هل تريد هذا البشت لتتدثر به فيزينك؟ فقال الشيخ العجوز:أوووه هذه مجاملة منك لكن في غير محلها،فأنا عجوز لم يعد يُجدي التجميل فيني،فعقب الإمام بقوله:بل الجمال هو جمال روحك أيها الشيخ الفاضل،فتبسم الشيخ العجوز وطلب من الإمام قائلاً له:أريد منك أن تأتي دوماً لتشرب القهوة معنا،فرد الإمام قائلاً:بودي ذلك أيها الشيخ العزيز لكن!! لكن!! هنا رد الشيخ العجوز:حسناً لقد فهمت،اذن فلتأتي بعد أن يذهبوا،فقال الإمام:إن شاء الله.كان ذلك الإمام يواجه عداءات من بعض جماعة ذلك المسجد ليبتعد عنه،عداءات تولدت بفعل الشيطان الذي زرع الحقد والحسد لأسباب حُملت ما لا تحتمله.ذات مرة وبعد نهاية أحد الصلوات،صاح صوت ذلك الرجل الواقف بين الصفوف!! لقد كان مراقب خاص بالمساجد فردد يقول:من منكم عليه شكوى على هذا الإمام؟ قام الإمام من مكانه مغادراً المكان كجبل تم طعنه فترك دماء كبريائه تنزف على آثار خطاه يغطيها بريق تلك الخيوط وتعزيها قطرات تلك العطور المنسدلة من أثير ذلك الإمام.في أحد المرات كان الصبي الصغير يسير بسيارته قاصداً ذلك المتجر الخاص بالهدايا ليبتاع منه هدية.في أحد ليالي شهر رمضان جاءت رسالة نصية على هاتف الصبي الصغير تقول:من لم يقدرك فلا تقدره،غير أنكم ممن قدرناهم وأحببناهم،ستكون هذه الليالي وداعية لكم وأرجو أن نلتقي على الخير دوماً.في صباح يوم جديد ذهب الصبي الصغير لذلك للمسجد فرأى الحارس يقوم بحمل المقتنيات الموجودة في مجلس ذلك الإمام،لقد انتقل الإمام لمسجد آخر،هنا دخل الصبي الصغير لمجلس الإمام فوجود بقايا أقدام الأثاث والمتاع التي انتقلت مع انتقال الإمام،نظر الصبي الصغير للحائط فوجدت تلك الكلمات المعلقة على وسط الحائط،كانت هي تلك الكلمات التي اشتراها الصبي الصغير من ذلك المتجر الذي قصده ذات يوم فقدمها بالنيابة عن جماعة المسجد كعرفان لذلك الإمام،هنا نزع الصبي الصغير تلك الكلمات من على وجه الحائط وأخذها معه ليحتفظ بها ويسلمها لذلك الإمام عندما يلتقي به فهو نسي أن يأخذها.ذات مرة كان يسير الصبي الصغير بسيارته ففتح نافذته قليلاً وفجأة سمع صوت ذلك الإمام يشدو متغنياً بآيات القرآن! فأخذ الصبي الصغير يقفتي أثر صوته حتى وصل لذلك المسجد الصغير القابع على قارعة شارع التحلية الذي كانت سعاف نخيله تتمايل بجميل ذلك الصوت،لقد كان موعد صلاة المغرب فدخل الصبي الصغير وسلم على الإمام وقام بتسليمه تلك الكلمات التي نسيها معلقة على حائط مجلسه فأخذها الإمام واضعاً إياه في داخل مشلحه المزركش،وأخذ يعتذر لو كان صدر منه تقصير ابان فترة إمامته وأخذ يخبر الصبي الصغير أنه يرغب بالراحة فلا يريد الدخول في تناوش واختلاف يفضي لمزيد من التوتر مع جماعة ذلك المسجد الذين استماتوا لكي يبعدوه،فتأثر الصبي الصغير لكلام الإمام وهو بدوره قال:لقد أهديتك تلك الكلمات في محاولة مني لرأب الصدع الحاصل في جدار ذلك المسجد ولتقريب خيوط المودة بين الجماعة وبينك لكني لم استطع فعل المزيد فلتسامحني أيها الإمام الفخم،فقال الإمام:لا يحتاج أن تعتذر،وطلب من الصبي الصغير أن يأتي دوماً للصلاة عنده،فابتسم الصبي الصغير ثم قال:سوف آتي لكن بعد أن ينصرفون أقصد بعد أن يمضون من جلسة القهوة تلك،كما قلت أنت للشيخ العجوز حينما طلب منك القدوم،فتبسم الإمام من تذكير الصبي الصغير.هم الصبي الصغير بالخروج من المسجد وفجأة عندما خرج سقطت عيناه على اسم المسجد الذي انتقل له ذلك الإمام،لقد كان اسمه مسجد الراوي! تأمل الصبي الصغير وتسائل هل انتبه ذلك الإمام لإسم مسجده وأنه ربما يعني أنه سيكون كالراوي لحكايته من خلال تراتيل صوته عند كل صلاة يغدو فيها صوته ويروح.......سعود المحمود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق