ذات يوم وفي أثناء عملي في معترك المجال المصرفي زارنا عميل في البنك،كان قد قصد البنك لغرض الحصول على قرض شخصي له. تقدم عندي وطلبت منه الجلوس، لحظات وأخرجت الأوراق الخاصة لغرض فتح حساب مصرفي له، فطلبت منه أوراقه وبياناته الشخصية كي أكتبها بالنيابة عنه، نظراً لأني رأيت أن ليس لديه يدان، فلم أدقق كثيراً هل كان قد وُلد من دون يدين أم أنهما كانتا مبتورتين لسبب ما. ما أن انتهيت من تعبئة الأوراق حتى حان موعد التوقيع على تلك النماذج المصرفية، هنا توقفت قليلاً لبرهة حيث إن هناك شروطاً معينة للعملاء من ذوي الاحتياجات الخاصة عندما يتطلب الأمر التوقيع على نماذج مصرفية كالأعمى والأمي وهكذا. استأذنت من الشخص قليلاً وذهبت لأحد الزملاء كي أستذكر الشروط اللازمة لمن يُطلب منهم التوقيع في مثل هذه الحالة، وما أن عدت نحو ذلك العميل حتى كانت المفاجأة التي لم تخطر في عقلي المحدود ورأيي المردود!! فرأيت أن ذلك الشاب قد وقع بالفعل على تلك الأوراق توقيعاً متطابقاً كليّاً لا يختلف أبداً حتى قيد أنملة، كانت الصفعة قوية بالنسبة لي عندما نظر لي نظرة رأيت من خلال تعمقي فيها أنها نظرة امتعاض فكيف لي أن أصدرت حكمي عليه بعدم قدرته على فعل شيء لم أسأله أنا شخصيّاً ما إذا كان هو قادراً على فعله أم لا؟ فركنت إلى فلسفتي وحكمي واجتهادي السقيم. جلست بكل هدوء بعد ذلك الموقف الصدامي وأخذت أسأله بتهكم وسخرية عن خلفيته بسوق الأسهم ومعرفته به ولم أستفد من السقطة الأولى حتى سقطت في وحل السقطة الثانية عندما بادرني بسيل معلوماتي جارف يقمع أي شيء يصادفه في طريقه فأخذ يسرد لي معلوماته بسوق الأسهم وخبرته بحركات البيع والشراء و و و.... فلم يذهب بعدُ أثر تلك الصفعة حتى بادرني بصفعته الثانية المدوية حينما حكمت مجدداً على جهله في جانب سابق وجانب لاحق من خلال مظهره الخارجي فخُيل لنفسي تخيُّلاً غير مبرر أن مجرد فقدانه ليديه أن ذلك يبرر لي أنه شخص جاهل عاجز فهو غير قادر على فعل شيء، مهلاً يا لك من أحمق أيها الكاتب!! لماذا أنا أحمق يا قلمي؟ أنت أحمق لأنك لم تمعن القراءة جيداً في بيانات الوظيفة الخاصة بذلك الشاب حيث إنه كان يعمل -ناسخ آلة كاتبة- فلو أمعنت في ذلك المسمى الوظيفي الخاص به لعرفت حقيقة جهلك في الحكم المبكر عليه!! نعم كنت أحمق يا صديقي. انتهى ذلك اللقاء السريع بيني وبين ذلك الشاب ومددت قلبي قبل يدي لمصافحته على تلك الدروس المجانية التي أعطاني إياها واعتذرت له عما بدر مني من جهل في حقه فبادرني بابتسامة وكلمات رائعة ووعدٍ باللقاء فأضحينا بعدها أصدقاء، في أثناء مغادرته للمكان تقدمت نحو المدخل الخاص بالبنك وجلست أتأمل منظر خروجه وتوجهه نحو سيارته، هنا أخرجت عدسة آلة التصوير الخاصة بي فالتقطت عيناي تلك الصور أثناء خروجه، فالتقطت صورة فتحه لباب سيارته وصورة تشغيله لسيارته وصورة وضعه للأوراق التي كانت بحوزته وآخر صورة هي قيادته لسيارته وهو لا يملك يدين لفعل تلك الأمور، كل تلك الصور سوف تلزم أي إنسان بلا شك في مشوار الحياة. انتهى وقت العمل في ذلك اليوم وتم إسدال الستار الخارجي للبنك في ذلك اليوم إيذاناً بنهاية يوم عمل، بدا الوقت جميلاً حينما غابت الشمس ولم يبقَ سوى بقية أطلال من تلك الظلال ، جاءني حارس الأمن كي يخبرني أن وقت الدوام انتهى فقلت له حسناً سأبقى لقليل من الوقت، توجهت صوب مكتبي وأخرجت ورقة كانت موجودة لدي واستللت قلمي فالجو كان مثيراً بل وغزيراً ومُلهماً للكتابة عن أحداث ذلك اليوم الحافل الذي عايشته حيث الهدوء الذي سكن جنبات المكان والصمت الذي خيم على أرجائه، أنهيت كتابة تلك الأحداث في ذلك اليوم وعندما هممت بالخروج من الباب وجدت تلك الورقة المثنية على طرف مكتبي فشدت انتباهي فلم ألاحظ وجودها في أثناء ترتيبي لمكتبي قبل الخروج، ذهبت ففتحتها ووجدت مكتوباً فيها قول الله عز وجل:-- فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور-- فكانت تلك الورقة بمثابة الرسالة التي وجهها لي ذلك الشاب بأسلوب بسيط كان يريد أن يفهمني أن المعاقين حقّاً هم أولئك الأسوياء الذين ماتت عقولهم وقلوبهم وأحاسيسهم تجاه ما يدور حولهم حتى وإن كانوا يملكون بقية مقومات الجسد البشري، شكراً لك يا صديقي فعلاً نحن المعاقون ولست أنت.....سعود المحمود
الاثنين، 12 مارس 2012
نحن المعاقون ولست أنت
ذات يوم وفي أثناء عملي في معترك المجال المصرفي زارنا عميل في البنك،كان قد قصد البنك لغرض الحصول على قرض شخصي له. تقدم عندي وطلبت منه الجلوس، لحظات وأخرجت الأوراق الخاصة لغرض فتح حساب مصرفي له، فطلبت منه أوراقه وبياناته الشخصية كي أكتبها بالنيابة عنه، نظراً لأني رأيت أن ليس لديه يدان، فلم أدقق كثيراً هل كان قد وُلد من دون يدين أم أنهما كانتا مبتورتين لسبب ما. ما أن انتهيت من تعبئة الأوراق حتى حان موعد التوقيع على تلك النماذج المصرفية، هنا توقفت قليلاً لبرهة حيث إن هناك شروطاً معينة للعملاء من ذوي الاحتياجات الخاصة عندما يتطلب الأمر التوقيع على نماذج مصرفية كالأعمى والأمي وهكذا. استأذنت من الشخص قليلاً وذهبت لأحد الزملاء كي أستذكر الشروط اللازمة لمن يُطلب منهم التوقيع في مثل هذه الحالة، وما أن عدت نحو ذلك العميل حتى كانت المفاجأة التي لم تخطر في عقلي المحدود ورأيي المردود!! فرأيت أن ذلك الشاب قد وقع بالفعل على تلك الأوراق توقيعاً متطابقاً كليّاً لا يختلف أبداً حتى قيد أنملة، كانت الصفعة قوية بالنسبة لي عندما نظر لي نظرة رأيت من خلال تعمقي فيها أنها نظرة امتعاض فكيف لي أن أصدرت حكمي عليه بعدم قدرته على فعل شيء لم أسأله أنا شخصيّاً ما إذا كان هو قادراً على فعله أم لا؟ فركنت إلى فلسفتي وحكمي واجتهادي السقيم. جلست بكل هدوء بعد ذلك الموقف الصدامي وأخذت أسأله بتهكم وسخرية عن خلفيته بسوق الأسهم ومعرفته به ولم أستفد من السقطة الأولى حتى سقطت في وحل السقطة الثانية عندما بادرني بسيل معلوماتي جارف يقمع أي شيء يصادفه في طريقه فأخذ يسرد لي معلوماته بسوق الأسهم وخبرته بحركات البيع والشراء و و و.... فلم يذهب بعدُ أثر تلك الصفعة حتى بادرني بصفعته الثانية المدوية حينما حكمت مجدداً على جهله في جانب سابق وجانب لاحق من خلال مظهره الخارجي فخُيل لنفسي تخيُّلاً غير مبرر أن مجرد فقدانه ليديه أن ذلك يبرر لي أنه شخص جاهل عاجز فهو غير قادر على فعل شيء، مهلاً يا لك من أحمق أيها الكاتب!! لماذا أنا أحمق يا قلمي؟ أنت أحمق لأنك لم تمعن القراءة جيداً في بيانات الوظيفة الخاصة بذلك الشاب حيث إنه كان يعمل -ناسخ آلة كاتبة- فلو أمعنت في ذلك المسمى الوظيفي الخاص به لعرفت حقيقة جهلك في الحكم المبكر عليه!! نعم كنت أحمق يا صديقي. انتهى ذلك اللقاء السريع بيني وبين ذلك الشاب ومددت قلبي قبل يدي لمصافحته على تلك الدروس المجانية التي أعطاني إياها واعتذرت له عما بدر مني من جهل في حقه فبادرني بابتسامة وكلمات رائعة ووعدٍ باللقاء فأضحينا بعدها أصدقاء، في أثناء مغادرته للمكان تقدمت نحو المدخل الخاص بالبنك وجلست أتأمل منظر خروجه وتوجهه نحو سيارته، هنا أخرجت عدسة آلة التصوير الخاصة بي فالتقطت عيناي تلك الصور أثناء خروجه، فالتقطت صورة فتحه لباب سيارته وصورة تشغيله لسيارته وصورة وضعه للأوراق التي كانت بحوزته وآخر صورة هي قيادته لسيارته وهو لا يملك يدين لفعل تلك الأمور، كل تلك الصور سوف تلزم أي إنسان بلا شك في مشوار الحياة. انتهى وقت العمل في ذلك اليوم وتم إسدال الستار الخارجي للبنك في ذلك اليوم إيذاناً بنهاية يوم عمل، بدا الوقت جميلاً حينما غابت الشمس ولم يبقَ سوى بقية أطلال من تلك الظلال ، جاءني حارس الأمن كي يخبرني أن وقت الدوام انتهى فقلت له حسناً سأبقى لقليل من الوقت، توجهت صوب مكتبي وأخرجت ورقة كانت موجودة لدي واستللت قلمي فالجو كان مثيراً بل وغزيراً ومُلهماً للكتابة عن أحداث ذلك اليوم الحافل الذي عايشته حيث الهدوء الذي سكن جنبات المكان والصمت الذي خيم على أرجائه، أنهيت كتابة تلك الأحداث في ذلك اليوم وعندما هممت بالخروج من الباب وجدت تلك الورقة المثنية على طرف مكتبي فشدت انتباهي فلم ألاحظ وجودها في أثناء ترتيبي لمكتبي قبل الخروج، ذهبت ففتحتها ووجدت مكتوباً فيها قول الله عز وجل:-- فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور-- فكانت تلك الورقة بمثابة الرسالة التي وجهها لي ذلك الشاب بأسلوب بسيط كان يريد أن يفهمني أن المعاقين حقّاً هم أولئك الأسوياء الذين ماتت عقولهم وقلوبهم وأحاسيسهم تجاه ما يدور حولهم حتى وإن كانوا يملكون بقية مقومات الجسد البشري، شكراً لك يا صديقي فعلاً نحن المعاقون ولست أنت.....سعود المحمود
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق