الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

حزن أم وبر ابن


حزن أم وبر ابن

الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد،الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا،كانت تلك هي تراتيل الأدعية التي سمعها الطفل الصغير بعد فراغ الامام من أداء صلاة العيد،جلس الطفل في غرفته ينظر متأملا لشماغه الأحمر الذي بدت خيوط أنسجته كحبات توت صغيرة تنتظر دفء رأس لتنضج وثوبه الأبيض الذي شابه وجه حليب صافي ولُب ساعته ذات التصميم الهندسي المتناسق في احداثياته وحذائه الذي كان كجلد تمساح قوي ومتماسك عندما يخطو على الأرض،لبس الطفل ملابسه وأخذ ينتظر مجيء المهنئين بالعيد السعيد،ذهب لمجلس بيتهم يتحسس أصوات رياح الوافدين الذين ستحط أقدامهم مدرج البيت لتهنأ بحلول العيد،وجد الطفل أنواع الحلوى كانت تتراقص داخل لباس القراطيس لتغري أعين الأطفال على نزع ملبوسها ولتغوي أفواههم على أكلها فأشعل الطفل نور المجلس فهدئت الحلوى عن الرقص وأخذت تتمايل خجلى بين السلال التي كانت تنزوي خلفها.سمع الطفل صوت سيارة أبيه المرسيدس والتي كانت تكح لتخرج غبار سباتها ولتفتح رموش عينيها ايذانا ببدء نشاط العيد،رأى الطفل أباه يضع متاعه داخل جسد سيارته فتحدث الأب قائلا لإبنه:هل تود مرافقتي عند جدتك لنقضي عندها العيد أم أنك ترغب في اللعب مع الأطفال؟
الطفل:يبدو أن الأطفال سيتأخرون عن الحضور يا أبي،سأذهب معك لكن هل يوجد أطفال ألعب معهم؟
الأب:نعم يوجد أطفال وإن رغبت أيضا يوجد ألعاب ستلعب معك.
مضى الطفل مع أبيه في طريقهم لمحافظة حوطة بني تميم التي كانت محوطة لدى وصول الطفل ووالده لبيت الجدة بشذى مزيج القهوة و عبير فصوص الهيل وقطع الكعك الذي اختبئت بداخله حبات الكرز فلم يظهر سوى رأسها.طرق الأب باب بيت أمه الذي كانت التشققات تحيط بسطحه كالتمزقات التي تحيط بشفاه الانسان فأجاب الباب بالدخول بعد أن فتحته تلك الجدة.أخذ الأب يقبل يد ورأس أمه وينأها ويبارك لها بالعيد،استلت الجدة من حافظة نقودها المسنة مائة ريال لتعطيها كعيدية لحفيدها فسر الولد وطارت أساريره فرحة وقضى مع والده أيام وليالي ذلك العيد.ذات ليلة ساكنة في ظلامها دخل الأب لبيته مرهقا يتحسس قلب أمه الذي سكن أحشاء روحه فبدأت نبضات قلبه بالأنين فهرع له أبناءه فنقلوه للمشفى فاستكان قلب الأب بعد أن كان يتفطر على شغاف فؤاد أمه.غصت معدة غرفة الأب بالزائرين من أقاربه الذين غابوا عن ملامح ومشهد وجهه ردوحا من الزمان فقدموا لزيارته،حنت شرايين روح الأم وافتقدت لتدفق دماء ابنها عبر فمدت وريد الاتصال لتطمئن عليه وتتفقد حاله فقالت:كيف حالك يا ولدي فلقد قلقت عليك؟
فأجابها الابن قائلا:أنا بخير يا أمي مادمت أسمع صوتكِ.
فأنشدت الأم:لكن نعومة صوتك تبدو مضطربة،هل تشكو ألم يابني؟
فأجاب الإبن:لا يا أمي ليس بي إلا كل صحة وعافية.
فتنهدت الأم قائلة:الحمدلله أقررت عيني وأرحت نفسي بكلامك،لكن قلبي مايزال قلقا عليك.
فأجاب الابن:لا تخافي ونامي قريرة العين مطمئنة البال يا أمي.
فقالت الأم:حسنا يا بني حفظك الله في سربك.
مضت الأيام يمزق بعضها بعضا وفاضت روح الابن لبارئها وعندما علمت الأم بوفاتها كان حالها قد أنشد شعره فيقول فيه:
يا وليدي كنت تشد رحالك
يم حوطتي في السنة مرتين
وهالحين برثي في غيابك
عن حوطتي في العيد دمعتين
هنا تحولت تلك الجدة العجوز ذات الوقار والهيبة لطفلة بريئة تذرف دموعها حزنا على رحيل حياة ابنها البار قبل رحيلها هي.......سعود المحمود

الجمعة، 23 ديسمبر 2011

خيالُ شباب وظلال حديقة



في الصف الدراسي الثانوي المزدحم بطاولاته حيث الأحافير المكتوبة على سطوح تلك الطاولات ما بين ذكريات طلاب ورسومات أحلام وزخارف خواطر،كان يجلس الطلاب على تلك المقاعد المتآكلة الأطراف لكنها في كل حال كانت تحمل تطلعات نفوس الطلاب الجالسين عليها الذين بدورهم قد اتكأت أيدهم على طاولات تلك المقاعد.ذات يوم توجه مدرس مادة اللغة الإنجليزية ماضياً في طريقه لطلاب ذلك الفصل ليبدأ حصته الدراسية،كان متجهم الوجه تثور من قسمات وجهه براكين الغضب كما لو كان تنيناً يوشك أن ينفث دخان قسمات وجهه على قارعة أول شخص يصادفه،في الجهة المقابلة وفي أثناء مضي خطوات المدرس نحو وجهته،كان ذلك الفصل تصدح منه أصوات وضجيج الطلاب أسرع المدرس صوب الفصل ومع امساك المدرس على مقبض الباب دخل فرأى تلك الحفلة الطربية التي أقامها أولئك الطلاب فتفاجأ الجميع،في مقدمة ذلك المشهد كان ذلك الطالب مايزال يواصل التطبيل على صدر تلك الطاولة المهترئه ربما كان يتشظى سطحها من وقع يديّ ذلك الطالب الذي ربما كان يطبل على آماله أو جراحه فكان مايزال ذلك الطالب على تلك الحال وهو يشدو بكلمات أغنية لمطرب يقول فيها:((الليل دوب ولازم نرضى بالمكتوب الليلة ديه))!! ربما كان ذلك الطالب يحاكي نفسه من خلال كلمات تلك الأغنية لكنه تناسى أن الوقت كان حينها في الصباح ولم يكن ليلاً حسب كلمات تلك الأغنية أو ربما كان يجهز نفسه للرضى بالمكتوب ريثما يحين وقت الليل.هناك أحس ذلك الطالب بالهدوء الذي عم أرجاء الفصل الذي بدى كصمت القبور في سكونه،فأدار ظهره فلم يبصر سوى وجه ذلك المدرس!! فقال له:ما شاء الله،ظننت نفسي داخلاٍ لحفلة رقص وليس لفصلاٍ دراسي،هنا طلب المدرس من الطالب أن يميط لثام شماغه الأحمر ويعود لمؤخرة الفصل ليقف عند حائطه كعقاب على مابدر منه،فأزاح الطالب لطمة شماغه فكأن غبار فكاهات مرحة تساقط نثرُها من ثنايا ذلك الوشاح الذي كان رأسه ملتحفاً به،هنا هم بدران-هذه هي حروف اسمه-بالعودة لآخر الصف فلمح طالبين كانا يقهقهان بالضحك الهادئ فما زالوا مسترسلين في ضحكهم حتى نظروا لبريق نظرة بدران التي أخافتهم فما لبث بدران أن أرفق مع نظرته لسعيد وثامر -تلك هي أسمائهم-بابتسامة وغمزة عين فابتسموا له بدورهم فكانت بداية ملامح علاقة الصداقة بينهم.في أثناء وقوف بدران في آخر الصف ومع شروع المدرس في شرح درس اللغة الإنجليزية،كان بدران يتنهد بصوت عالي قليلاً!! ربما كان بسبب عوالق الغبار القابعة على خيوط بيوت العناكب المنزوية في زوايا ذلك الفصل فأثارت حركتها أنف بدران فجلس يتنهد حتى كاد يعطس،هنا نادى المدرس بدران فلبى بدران نداء المدرس وعندما أتى إليه قال له المدرس:لماذا عدت للغناء مرة ثانية؟ فنظر بدران للمدرس باندهاش شديد!! وعندما همّ بدران بالرد على المدرس أنه لم يكن يغني بل كان يتنهد،بادره المدرس بالأمر الفوري أن يذهب للناظر ليخبربه حرفياً أنه كان يغني!! هنا ذهب بدران يجر خطواته نحو مكتب الناظر ليبلغه بما طلبه المدرس منه،وعند خروجه من الفصل ومروره بجانب النافذة سمع بدران ضحكات سعيد وثامر الخافته مجدداً الساخرة على ما أصابه،وصل بدران لمكتب الناظر وكان مشغولاً حينها فأخد يخبره بما أمره المدرس أن يُخبره إياه وأنه كان يتنهد ولم يكن يغني،فقال له الناظر:حسناً لا مشكلة اذهب وقف خارج الفصل وتنهد أو غنيّ أو افعل ما شئت،فراح بدران مستغرباً قول الناظر له،فعاد للفصل وأثناء سيره اصطدم بطالب أمامه كان اسمه نواف،جمع نواف سريعاً كتبه التي سقطت بسبب ذلك الاصطدام ومضى في طريقه دون أن يترك كلمة تبقى في أعقاب ذلك الموقف وبدوره مضى بدران مندهشاً وسار نحو فصله وأخذ ينتظر خارجه حتى يحين انتهاء وقت حصة ذلك المدرس.








مضى الوقت يقطع بعضه بعضاً،تخرج بدران وثامر وسعيد من الثانوية العامة فمضى كل شخص منهم في سربه وانقطع التواصل فيمت بينهم بعد تلك الفترة.في قلب مدينة الرياض كان يوجد شارع مكتظ بشتى أنواع مقاهي المختلفة كاختلاف أنواع القهوة وكذلك متاجر الدبابات النارية كان البلاط الملون يشكل جنبات ذلك الشارع وأيضاً تزاحم فئام الشباب عليه في كل وقت،كان هناك ملعب كرة قدم جلس مختبئاً في أحد أزقة ذلك الشارع،كان يرتاده الشباب للعب كرة القدم ولعبة الكريكت لكن على الطريقة المتواضعة حيث لم يكن الملعب يحوي امكانات كبيرة فقد،هناك كان يسير شاب اسمه زياد،أوقف زياد سيارته وترجل منها حاملاً حذائه الرياضي فأخذ زياد يمضي في طريقه لبدء مباراة كرة قدم كانت على وشك البدء.شارفت خيوط شفق النهار على التمزق ايذاناً بحلول عباءة ظلام الليل،بعد فراغ زياد من أداء تلك المبارة شعر بالجوع الشديد يجتاح جنبات معدته،فركب سيارته وتوجه صوب أحد المطاعم.ركن زياد سيارته في حي مقارب لذلك الملعب،كان ذلك الحي تفوح من بين جنباته عبق رائحة زيت الزيتون الفلسطيني ونكهة حبات الزعتر المسترسل في خضرته وصوت قلقلة أقراص الفلافل التي كانت تُعد في مطاعم ذلك الحي ،كان زياد حائراً أي مطعم سوف يختار فهي كثيرة،هنا لمح زياد مطعماً كان يقدم الوجبات السريعة فدخل إليه فأخذ ينادي النادل وعند قدوم النادل طلب زياد وجبة العشاء.أنهى زياد وجبة العشاء فشعر بخمول شديد!هنا لمح زياد ذلك النادل الذي كان ينظف بقايا الطعام الجالسة على أطراف موائد الأكل ربما كان ينظف كذلك بقايا تلك الأحاديث الخارجة من أفواه الآكلين للطعام، هنا صاح زياد بصوته مرتفعاً ينادي ذلك النادل لكي يعطيه قيمة الطعام الذي أكله،فجاء النادل مفزوعاً من صوت زياد الذي فاجأه فذهب إليه،أعطى زياد النقود للنادل وأمسك بتلابيب سمعه وأخذ يتحدث معه قائلاً: هل سمعت عن حادثة اللص الغني الذي سطى على منزل الأسرة الفقيرة!! نظر النادل لوجه زياد وبدت علامات التعجب متراقصة على رأسه!! كان زياد يحب دوماً المبالغة في تضخيم حجم ما يسمعه من أخبار وأقاصيص ليضيف لها بهارات مهولة،فما زال زياد مسترسلاً في حياكة خيوط تلك الحادثة،في أثناء حديث زياد لذلك النادل ارتفع صوت ذلك الشخص المنادي: ثامر..ثامر تعال لنكمل العمل!! لقد كان صوت صاحب المطعم ينادي ذلك النادل فكان النادل هو ثامر صديق بدران وسعيد الذين درس معهم مرحلة الثانوية وبعد تخرجه بنسبة متدنية لم تساعده على مواصة دراسته عمل ثامر في ذلك المطعم  وكان في نفس الوقت شاباً مكافح متحمل لمسؤولية نفسه،هنا استئذن ثامر زياد ليكمل عمله فقال له زياد: انتظر قليلاً فرن هاتف زياد فجأة وكان أحد أصحابه يسأله عن سبب تأخره عن القدوم له فأجاب زياد صديقه المتصل:سوف آتي لك الآن وأغلق زياد هاتفه وطلب من ثامر رقم هاتفه ليبقى على تواصلاً معه فأعطاه ثامر رقم هاتفه ومضى زياد في طريقه نحو صديقه المتصل.








مضى زياد في طريقه وتوقف عند مقهى للإنترنت،كان الليل قد أسدل عباءته السوداء المزركشة ببياض النجوم،كان الوقت قد حان لإغلاق ذلك المقهى فظل زياد في سيارته يتحدث لأحد أصحابه عبر الهاتف وفي نفس الوقت يشاهد عامل المقهى وهو يقوم بانزال ستائر المقهى ليغلقه.أنهى زياد مكالمته وترجل من سيارت وذهب متجهاً صوب العمارة التي يقع تحتها ذلك المقهى لكنه ذهب لمدخل خلفي تابع لتلك العمارة غير ذلك المطل على الشارع
وعند وصوله لنهاية المدخل قام زياد بطرق الباب،كان الهدوء يعم أرجاء المكان!! رد شخص من خلف الباب قائلاً:من أنت؟ فرد زياد قائلاً:((its me my friend))قالها زياد باللغة الانجليزية ليفهمها ذلك العامل الفلبيني!!ففتح لزياد الباب،كان ذلك المقهى يغلق عند منتصف الليل ويدخل القادمون بعد ذلك الوقت من الباب الخلفي لنفس العمارة التي يقع فيها.هنا دخل زياد للمقهى وكانت أرجائه تعُج بضباب دخان منبعث من لفافات سجائر أولئك الجالسين فيه فكانت الرؤية تصعب إلا عندما تنعكس أشعة أجهزة الحواسب الآلية على وجه تلك الأدخنة،هنا توقف زياد قليلاً ليتصل على صديقه ويعرف أين يكون مكانه من بين تلك الطاولات الهائمة في ثنايا المقهى فقام بالإتصال به ولكن وجد أن خط الهاتف تم الرد عليه لكن دون مجيب فقال زياد:ألو..ألو..أنا دخلت المقهى فأين أنت؟ فانقطعت المكالمة فوراً!!فجأة أحس زياد بلكزة قوية في جنبه وسط ذلك الظلام الذي لم يرى زياد فيه شيء!! فأبصر زياد وجه الشخص الذي قام بلكزه،لقد كان صديقه سعيد!! هنا هدأ روع زياد بعد تلك اللكزة المازحة من قبل سعيد الذي بادره بالسؤال قائلاً:لماذا دوماً تتأخر عن الحضور؟ فتعذر بوابل من الأعذار،فقال سعيد: حسناً..حسناً..كالعادة لا جديد يذكر دوماً تردد نفس الديباجة عندما أسألك عن سبب تأخيرك ياصديقي،كان سعيد وقتها يتحدث لزياد وهو يحمل بين يديه كتاب كان يقرأ فيه و على تلك الطاولة مجموعة أخرى من الكتب المستلقية عليها،كان زياد يعرف سعيد بحكم سكنهم في نفس الحي الذي يقطنون فيه سوياً.حكى زياد لسعيد عن ذلك المطعم الذي تناول فيه عشاءه تلك الليلة وتحدث له عن ذلك النادل الذي التقى به والذي كان هو ثامر صاحب سعيد في المرحلة الثانوية لكن سعيد لم يعرفه لأن زياد لم يذكر اسم النادل عند سعيد،فقال زياد لسعيد يجب أن نذهب سوياً لذلك المطعم غداً لكي نأكل فيه،فرد سعيد معقباً: حسناً لا مشكلة،للغد شأن جديد فلتذكرني لكي نذهب لذلك المطعم.هنا قال زياد لسعيد:سوف أذهب الآن للبيت فهل ستذهب لبيتكم الآن؟ فقال له سعيد: لا سوف أبقى لبعض الوقت للقراءة.كان سعيد يقضي جُل وقته في ذلك المقهى للقراءة ودخول المواقع الأدبية والثقافية فهو في تلك الفترة كان عاطلاً بعد تخرجه من الثانوية العامة فلم يوفق في ايجاد واسطة أو معرفة أحد لإكمال دراسته الجامعية.استئذن زياد من سعيد للذهاب وقال له لا تنسى موعدنا غداً لنذهب لذلك المطعم الذي أخبرتك به،إلى اللقاء.








ذات مساء رن هاتف زياد فأجاب زياد على المتصل!! لقد كان صديقه ويدعى عبدالله،إنه صديق تعرف عليه زياد في ملعب كرة القدم الذي يلعب فيه دوماً،كان هناك مباراة ستقام في ذلك المساء.أنهى زياد المكالمة وانطلق بعدها صوب الملعب،صادف زياد في أثناء سيره صديقيه جمال وأخيه حمد وكانا يلعبان الكرة في باحة قريبة من منزلهم فاستوقفهم زياد ليدعوهم لمرافقته إلى الملعب.قال جمال لزياد: سوف أدعو أحد أصحابي لينضم لنا فهو لاعب ماهر في كرة القدم،رحب زياد بالأمر وطلب من جمال أت يبلغ صاحبه بمكان الملعب ليلحق بهم فأبلغ جمال صاحبه بذلك.وصل زياد مع أصحابه وكانت المباراة قد بدأت بسبب تأخرهم عن الوصول فاضطروا للإنتظار ومشاهدة المباراة،سدد أحد لاعبي تلك المباراة كرة فذهبت صوب شاب كان قادم تجاه الملعب فارتطمت به!! هنا تفاجأ ذلك اللاعب من خشية أن تكون الكرة قد آذت ذلك الشاب فذهب صوبه ليطمئن عليه،كان ذلك الشخص الذي سدد الكرة هو بدران وكان صاحب عبدالله وقد دعاه للعب في تلك المبارا وعندما هم بدران للسير صوب الشاب قام ذلك الشاب بدوره بحمل الكرة فاقترب من اللاعبين ليسلمهم الكرة،ما إن اقترب الشاب من اللاعبين حتى صاح بدران بصوته:هذا أنت؟ فالتفت الشاب لبدران قائلاً له:هل تعرفني؟ فقال بدران:أنت ذلك الطالب الذي اصطدمت به في المدرسة فسقطت كتبه أرضاً،ألست أنت هو ذلك الطالب؟ فنظر الشاب جيداً لبدران فقال له:فعلاً أنت هو ذلك الطالب الذي اصطدمت به.كان ذلك الشاب هو نواف الذي اصطدم به بدران بعد عودته من مكتب الناظر،فضحك بدران وقال يالها من صدفة وابتسم نواف بدوره ابتسامة هادئة فشخصيته كانت تتصف بالهدوء والغضب في نفس الوقت فقال بدران ما الذي أتى بك هل أنت تلعب في هذا الملعب؟فرد نواف بلا فقد دعاني صاحبي للحضور واللعب،هنا جاء زياد وأصحابه جمال وزيد بعد ذلك الموقف فقال جمال ما الذي حصل يانواف؟ فأخبره نواف بما كان وجلس الجميع يضحكون من مصادفة الأمور التي حصلت،فاتفق بدران مع الجميع بتكوين فريق كرة قدم وقال نحن الآن ستة أنا،نواف،عبدالله،جمال،زياد وزيد لكن سينقصنا اثنين،أنا لدي أحد أصحابي يدعى ثامر!! فرد زياد بتعجب هل قلت اسمه ثامر؟ فرد بدران بنعم!! فقال زياد هل هو يعمل نادلاً في المطعم؟ فرد بدران الدهشة مرسومة على وجهه نعم إنه يعمل نادل في أحد المطاعم!! فرد زياد قائلاً:اني أعرفه لقد تعشيت ذات مرة لديه وأخذت رقمه للتواصل حسناً سينقصنا فرد آخر لإكمال الفريق.جلس بدران يفكر في البحث عن فرداٍ آخر لإكمال عدد فريقه وأثناء استغراقه في التفكير قاطعه زياد قائلاًً له: أوووووه لقد وجدته!! فرد بدران بقوله ماذا تقصد بعبارتك أنك وجدته؟ فرد زياد لقد وجدت الشخص الذي سيكمل نقص الفريق لكنه لا يحب الكرة كثيراً!! فرد بدران بقوله لا مشكلة،سوف نعلمه اللعب،لكن من هو وهل يسكن بعيداً عن الملعب؟ فقال زياد: لا إنه يسكن في الحي الذي أسكن فيه واسمه سعيد!! فقال بدران: هاااااه ماذا تقول،هل اسمه سعيد؟ إنه صديقي في المرحلة الثانوية،فقال بدران ممازحاً لزياد: هل أنت تعمل مُخبراً يا زياد أم ماذا؟ تعرف ثامر وتعرف سعيد؟ وتعرف هذا وهذا؟ وتعرف أصحاب نواف؟ وتعرف عبدالله؟ فغط بدران في ضحكا عميق،فرد زياد بقوله لست مُخبر لكن الجميع أصادفهم بالصدفة فليس بيدي حيلة.كان زياد شخصيةً اجتماعية بحته بالمقام الأول،لا يضع لنفسه قيود بالدخول مع من هم حوله،كان من السهولة بمكان أن يدخل مع الآخرين في تعارف سريع،وفي المقابل كانت شخصية بدران فكاهية مرحة بالمقام الأول وصاحب دعابة ساخرة على من يحاول التنقص منه.بعد ذلك الحوار الطويل بين بدران وزياد عند الملعب ارتفع صوت نداء الحق لصلاة العشاء من مسجد مجوار لذلك الملعب،كان مسجداً يلفت نداء الأذان الصادر منه انتباه من يسمعه،كان مسجداً صغيراً في حجمه ويقع بجانب عمارة قديمة،كانت جنباته تغُص بصفوف المصلين من العمالة الأجنبية،كان مشهداً جميلاً حيث صفوف المسجد ممتلئه بأولئك القادمين ليلبوا نداء ربهم عز وجل،في تلك الأثناء كان هناك شاباٌ يسير في طريقه نحو المسجد بعد خروجه من ذلك المقهى.بعد انتهاء الصلاة ومغادرة المصلين جالس الشاب يمعن النظر لجدران وأعمدة ذلك المسجد،كانت الأعمدة وكذلك الجدران متشققة أوساطها وجنباتها،ربما كان السبب من آثار تلك التراتيل القرآنية العذبة التي يتلوها أولئك المصلين،هنا تحول نظر الشاب لسجاد ذلك المسجد،كان السجاد معفرة بعض أجزائه بعوالق الغبار وكان ملمسه بارداً لبرودة الجو في ذلك الوقت،ربما سيترك آثار جميلة على الجباه التي ستسجد عليه،انتقل بعدها الشاب ليلقي بنظره على إمام المسجد الذي كان يسبح بيده بعد صلاته،لقد كان من الجنسية الهندية،كان يلبس ثوباً فكان نسيج ذلك الثوب مغرورقاً في لونه الكحلي،وشماغه كان أحمر وخيوطه بدت ذابلة رثه،ولحيته كان يتخللها قطرات من الوضوء فكان بعضها يتساقط والبعض الآخر متخفي في ثناياها ليعطيها شكلاً روحانياً وجمالياً فكأن كل أوصاف مظهر ذلك الإمام ينبثق منها رائحة حضارة وعبق ثقافة بلاد الهند التي كانت سائدة في عهد مضى.هنا أحس ذلك الشاب بيد شخص ترتب على ظهره،فما أن أدار ظهره حتى كان ذلك الشخص هو زياد!! فقال زياد ما لي أراك يا سعيد تلتفت بناظريك يمنة ويساراً؟ لقد كان ذلك الشاب هو سعيد!! فرد سعيد قائلاً: كنت أمارس هواية التأملات فهي جميلة تعطيك خفايا الأشياء،لكن هل كنت تراقبني ونسيت أن تصلي؟ فقال زياد أوووه سأذهب لأتوضأ وأصلي ثم أعود إليك بعدها.








خرج زياد مع سعيد من المسجد فأخذ زياد يحكي له عما حصل معه من أحداث في الملعب فقال له: يسلم عليك أحد أصدقائك القدامى!! فقال له سعيد من هو ذلك الصاحب؟ فقال له زياد: ستكون مفاجأة لك وعليك بتجهيز نفسك لأننا نبحث عمن يكمل فريق كرة قدم،أما الآن سنذهب حسب وعدنا للمطعم الذي حدثتك عنه ونحن في المقهى، فقال سعود حسناً لا مشكلة فأنا أشعر بالجوع فهيا لنذهب.مضى سعيد مع زياد في طريقهم نحو المطعم القريب من ذلك الملعب وأثناء سيرهم توقف زياد لدى محل تموينات لشراء بعض الحاجيات، فنزل وبقي سعيد منتظراً داخل السيارة،فعاد زياد سريعاً بعد شرائه لحاجياته،في تلك اللحظة اقتربت امرأة من السيارة وطرقت النافذة،فتح لها سعيد جهة نافذته فجلست تقول: هل أجد مالاً تساعدوني به يا أولادي؟
هنا هم سعيد باخراج مال كان بحوزته وأثناء بحثه في جيبه همست المرأة في أذنه قائلة ((هل تريدون بنات))اندهش سعيد ونظر زياد للمرأة بعد سماعه لكلامها فقام بتشغيل سيارته في ردة فعل لا اراديه متعجباً من تلك العبارة فانطلق فوراً،هنا نظر زياد لسعيد فقال له: ما الذي سمعناه قبل قليل؟ هل كان حلماً أم حقيقة؟ فرد سعيد معقباً لا تستغرب يازياد فأصابع يدك ليست سواسية وفي كل مجتمع لابد أن تجد شواذ عن كل قاعدة،ربما كوننا في سن الشباب أو مظهر لباسنا دعى تلك المرأة أن تقول ذلك الكلام،هنا واصل زياد وسعيد طريقهم نحو ذلك المطعم.وصل زياد وسعيد للمطعم الذي يعمل فيه ثامر وبالطبع لم يعلم سعيد أنه كان ذاهب للقاء صديقه القديم،دخل زياد وسعيد سوياً وعندما جاء ثامر كانت المفاجأة جميلة حيث التقى الصديقين بعد فترة غياب،جلس سعيد يقول لثامر:مضى وقتاٌ طويل منذ أن تخرجنا فلم نلتقي يا صديقي منذ سنتين أو ثلاثة تقريباً!! كيف حالك وأخبارك؟
فقال ثامر:بخير والحمدلله،تخرجت بمعدل متدني لم يساعدني على اكمال دراستي الجامعية فاضطررت للعمل في هذا المطعم لكي أساهم في اعالة أهلي،فرد زياد مقاطعاً ثامر:ألم تجد عملاً أفضل من هذا يا ثامر ليساعدك في أمورك المادية؟ فرد ثامر بقوله:أنا أجنبي يا زياد فلا يخفى عليك ما لوضعي كأجنبي من طبيعة تفرض علي بعض الفوارق عن ابن البلد،فأضاف سعود بقوله:صدقت يا ثامر كلامك منطقي.سأل ثامر سعيد:ماذا عنك يا صديقي هل تدرس الآن أم تعمل؟ فأجاب سعيد بقوله: لا هذه ولا تلك ههه قالها سعيد ضاحكاً!! فرد ثامر:لماذا ماهي الأسباب؟ فرد سعيد مجيباً:تخرجت بمعدل متدني ولم أوفق بالتسجيل في الجامعة،أعرف طلاباً آخرين معدلاتهم كانت قريبة مني وآخرون أقل مني تمكنوا من دخول الجامعة،فقال ثامر:كيف ذلك يا سعيد هل يعقل هذا الأمر؟ فقال سعيد مجيباً:لم لا أيها الصديق الأمر جدُ سهل طالب معدله متدني لديه والده يعرف وكيل جامعة أو عميد كلية أو مدير قبول وتسجيل فتساعده تلك المعرفة الشخصية في تسجيل ابنه،إن لم يكن في الفصل الأول فالفصل الثاني ينتظره،الحياة مزيج ألوان يبقى لون((الواسطة))هو الأبرز حضوراً في الساحة حتى لو بدى لونه باهتاً أيها الصديق،عقب ثامر بقوله:بالفعل صدقت فيما ذكرته يا سعيد،سأل ثامر سعيد قائلاً:وكيف تقضي وقتك الآن ياسعيد؟ فأجابه سعيد:أقضي جُل الوقت في القراءة والاطلاع على جديد الكتب،وفي نفس الوقت استغل وقتي بالقراءة في كتب تعليم اللغة الانجليزية لكي أسابق الوقت لدخول اختبارات القبول لدى معهد الادارة العامة حيث أن اختبارات القبول تستدعي أن تكون خلفيتك قوية في اللغة الانجليزية،فرد ثامر بقوله:أما زلت يا سعيد تحب القراءة والكتابة،فما زلت أتذكر دفترك الذي كنت تدون فيه أيام الدراسة،لو كنت دخلت القسم الأدبي لما تخرجت بنسبة متدنية فأنت لم تحب القسم العلمي حينها؟ فأجاب سعيد بقوله:ههه أما زلت تذكر يا ثامر،لقد كان ذلك شيئاً من الماضي،فلا ينبغي للشخص أن يقف على أمراٍ قد مضى،وما يدريك ربما أتخصص في القسم الأدبي ويكون الأمر كم قلت لك سابقاً بشأن القبول،فهناك أناس كثُر تخرجوا بنسب عالية فلم يتمكنوا من الدراسة في تخصصات يحبونها،فقط اجمع واقعك مع تفكيرك وسدد وقارب يا ثامر،حبك للأشياء لا يتبخر ولا يُلغى إن لم تتخصص به،فها أنا ما زلت أدون في سجلات عقلي ما أشاهده كما كنت أدونه في دفتر المرحلة الثانوية وما زلت أحب الأدب فلم يمنعني عدم تخصصي الأكاديمي به أن أتوقف عن حبه يا صديقي،مر الوقت بسرعة،تبادل فيه ثامر وسعيد بحضور زياد أطراف الحديث،هنا استأذن سعيد صديقه ثامر بعد أن تناولا مع زياد وجبة العشاء واتفقا على تجديد اللقاء بعد طول انقطاع فيما مضى حيث قال ثامر لسعيد:أنا أجتمع بشكل يومي مع عدد من الأصحاب في مقهى قريب من مدرستنا الثانوية فحاول أن تفرغ نفسك يوماً، حيث يوجد صديق لم تلتقي به منذ فترة يا سعيد!! فرد سعيد:بالتأكيد يا ثامر فهذا من دواعي سروري،وشوقتني لمعرفة من يكون ذلك الصديق أعدك أن يكون ذلك قريباً أيها الصديق فلا تقلق.








مضى سعيد عائداً مع زياد في طريقهم ليذهب كل واحداٍ منهم لبيته،هنا عرض زياد على سعيد مرافقته،حيث أنه سوف يذهب للقاء أحد أصحابه،رحب سعيد بالفكرة ولم يمانع حيث أن لديه متسع من الوقت،توقف زياد عندالمقهى الذي يجلس فيه رفيقه فذهب هو وسعيد ليدخلاه،هنا وجد زياد صديقه جالساً على طاولة واضعاً سمعات جهاز الحاسوب على أذنيه فلم يسمع أن زياد وسعيد يلقيان عليه السلام حتى رآهم أمامه فسلم أمين على زياد وسعيد ودعاهم للجلوس،كان اسمه أمين،شاب يصغر زياد وسعيد في العمر،درس في روسيا ولم يكمل دراسته ،يحب كتابة الشعر وبرامج الحاسب الآلي،أطلعهم على بعض مقاطع الشعر التي يسجلها لنفسه،مضى الوقت وفي ختام اللقاء دعى زياد صديقه أمين للقاء في يوم قادم قائلاً:سوف أجتمع مع عدد من الأصحاب قريباً في حديقة قريبة من هنا فهل يناسبك ذلك؟ فرد أمين بقوله:حسناً لا مشكلة فأنا ليس لدي شيء يشغلني،سأكون مسروراً لتلبية الدعوة،فرد زياد:حسناً سأتصل بك قريباً يا أمين.








ذات مساء كان سعيد جالسا في بيته عند نافذة المجلس المطل على شجرة الليمون العجوز والتي ماتزال محتفظة بشموخها منذ أن سكنوا ذلك المنزل،كانت هناك طيور واقفة على أغصان تلك الشجرة،بدت هادئة في تغريدها ربما لأن شفق النهار أزف على الغروب فكان تغريدها متوافق مع قرب رحي شمس ذلك اليوم،رن هاتف سعيد فجأة! لقد كان صديقه زياد،أجاب سعيد على هاتفه:مرحبا بك يا زياد.
زياد:مساء الخير ياسعيد،الليلة سوف أذهب لصديقي ويدعى جمال فإن رغبت بمرافقتي فسوف أمرك.
سعيد:لا بأس يا زياد سوف أنتظرك.
في الليل رافق سعيد صاحبه زياد متوجهين للقاء جمال،فجأة توقف زياد بسيارته عند كبينة اتصالات وطلب من سعيد النزول،هنا بادر سعيد بسؤاله لزياد:لماذا توقفت هنا هل لديك مكالمة ستجريها من خلال تلك الكبينة؟
فأجاب زياد:لا ولكن صديقي جمال يعمل موظفاً في تلك الكبينة.نزل سعيد وزياد لكبينة الاتصالات وفور دخولهم سلم عليهم جمال ورحب بهم.كان جمال قد أنهى دراسته الجامعية لكنه لم يوفق في الحصول على عمل يوازي مؤهله الأكاديمي فاضطر للعمل كموظف في كبينة الاتصالات تلك،ربما أراد جمال من خلال عمله في تلك الكبينة أن يتحسس أصداء أصوات أولئك المتكلمين الذين تجدهم مابين متصل ينشد أخبار أسرته وآخر يعبر عن شوقه لأحبته فأراد جمال لنفسه مداواة لجراح أحلامه،كان جمال شخصية هادئة محبة للدين لا يبوح بهمومه كثيراً،شخصية فيها من التوازن نصيب وافر حيث العفوية كذلك مرتسمة على ملامح وجهه.أثناء اللقاء بادر زياد بالحديث مع جمال وتجاذبا أطراف الحديث عن الناس والحارة وأمور أخرى عديدة فيما لزم سعيد الانصات لحديثهما،في نهاية الحديث طلب زياد اللقاء مجدداً بجمال مع بقية الشباب في وقت قريب يقوم زياد بترتيبه فرحب جمال بالأمر ووعد على الحضور.ركب سعيد مع زياد متجهين بسيارته وأثناء سيرهم طرح زياد على سعيد سؤاله قائلا له:كيف لشاب جامعي كجمال أن يعمل بوظيفة بسيطة يا سعيد؟
أجاب سعيد بقوله:الأمر بسيط يا صاحبي العزيز إنها الواسطة ثقافة الوقت الراهن، فليس بالضرورة أن يجد الشاب العمل الذي يتوافق مع مؤهله فلو كان جمال لديه من العلاقات والمعارف ما يساعده فسوف تجد حالته الوظيفية أفضل مما هي عليه الآن،قد يضطر المرء أن يرضى بالبسيط في بداية الأمر حتى يدخل في تكوين العلاقات التي تساعده على تحسين وضعه الوظيفي.هنا طرح سعيد تساؤلا مقتضب على زياد: إلى أين نحن متجهين الآن يازياد؟
رد زياد مجيبا: امممم لا أعلم حقيقةً،لكن ما رأيك يا سعيد أن ترافقني إلى مكان قريب؟
فأردف سعيد بقوله: إلى أين تريد مني مرافقتك؟
فرد زياد بقوله: عند مقهى الانترنت لدي اثنين من الأصدقاء يجلسون هناك.
فرد سعيد بسؤاله: هل تقصد ذلك المقهى الذي نجلس فيه عادةً؟
فأجاب زياد: لا لا إنه مقهى آخر قريب من مكان المقهى الذي نرتداه سويا.
فقال سعيد: حسنا لا بأس لننطلق إذن يا صديقي.








انطلق سعيد برفقة زياد نحو ذلك المقهى الذي يوجد فيه أصحاب زياد،وعتد وصولهم دخلوا من باب ذلك المقهى،أمسك زياد بهاتفه وأخذ يتكلم مع المتحدث وهو يمشي بين أجهزة الحاسوب ويقول للمتحدث معه: أين أنتم ها نحن وصلنا للمقهى؟
فقال المتحدث: انظر جيدا ليمينك يا زياد ستجدني! التفت زياد ليمينه فوجد صديقه يشير له وهو جالس عند شاشة الحاسوب الآلي وبجانبه صديقه الآخر.أقفل زياد هاتفه وتوجه هو وسعيد نحو مكان صديقيه،تكلم ذلك الصديق قائلا لزياد: أين أنت يا زياد تغيب ثم تظهر فجأة وهكذا.فأجاب زياد بقوله: هههه لم أغب أنا موجود على الدوام يا حمد!
هذا هو اسم صديق زياد والذي يدعى حمد.حمد هو شقيق جمال،شخصية حمد كانت تتسم بخفة الظل والبرود في آن واحد،كان حمد يدرس في تخصص المحاسبة لكنه لم يكمل لأسباب خاصة،كان حمد يحب مادة الرياضيات التي تتميز بتشغيل خلايا العقل والتفكير،كان حمد يعيش خارج نطاق الواقع في جوانب معينة من حياته،ربما كان السبب هو الشعور بخيبات أمل وفشل في مواقف محددة على صعيد الأهل والدراسة فيهرب لعالم الانترنت الذي كان يمارس فيه لعبة التركس والترافيان والتي كان يجد أنها تعبر عما في نفسه حيث أنها تعتمد على التركيز والتفكير،كان أصحاب حمد يلقبونه بالكسول لكثرة حبه للنوم الذي ربما وجد فيه حمد فرار من جراح واقعه، ربما لم يجد حمد من يفهم مشاعره بالشكل الكامل ليأخذ بيده.هنا جاء سمير صديق حمد وهو صديق زياد كذلك وشقيق ثامر أيضا،كان يجلس على جهاز الحاسوب المقابل لحمد.كان سمير شخص ذا ملامح بائسه هائمه على وجهها،كان يكبر ثامر في السن،كان يلقبه أصحابه بالسكير! نظرا لكثرة شروده وسرحانه وبروده في يقظة الأوقات،كان سمير يعمل لساعات طويلة في أحد محال الاتصالات بمبلغ زهيد ربما لا يوازي أحلام شاب مثله لم يتزوج بعد ويعتبر الابن البكر لعائلته،كان سمير يستيقظ من ساعات الصباح الباكر ليوصله أخاه ثامر لعمله والذي بدوره يقوم يقوم بإيصال والده لمكان عمله كذلك،كان سمير شخص صامت لا يتحدث كثيرا،تعرف في قسمات وجهه شخصيته البسيطة.كان بين حمد وسمير توافق ذهني ونفسي عززه كذلك تشاركهم في صفات البرود والهدوء الفطري في شخصيتهما.في تلك الأثناء رن هاتف زياد! لقد كان المتصل عبدالله رفيق زياد في الملعب الذي يلعبون فيه،قال عبدالله لزياد: أين أنت يازياد؟
فقال زياد مجيبا: أنا في مقهى الانترنت مع حمد وسمير وصديق آخر لي يدعى سعيد.
فقال عبدالله: حسنا سوف آتي لكم فورا.وصل عبدالله للمقهى وأخذ يسأل زياد وحمد وسمي ماهي المواقع التي تتصفحونها؟ بالفعل أنتم متسكعون،ألا توافقني الرأي يا هذا! عفوا نسيت اسمك! اسمي سعيد،فرد عبدالله بقوله:مرحبا بك يا سعيد.جلس الجميع في المقهى وأخذ عبدالله يتحدث عن أحوال عمله فهو كان يعمل في أحد الجهات الحكومية وكان يتحدث بأسى واحباط عن تأخر ترقيته التي مضى عليها وقت ولم يحصل عليها بعد.كان عبد الله هو أول من تزوج من بين أولئك الأصحاب ولحقه فيما بعد بدران،كان عبدالله والد لطفلين،يسكن في منزل مستأجر،ولا يبقى من راتبه الكثير ليفي احتياجات الحياة والتزاماتها،كان عبدالله يدرس في أحد الجامعات في تخصص الدراسات الاسلامية لكنه لم يواصل دراسته بعد موقف ومشادة حصلت له مع أحد أساتذة تلك الجامعة فجعل عبدالله ينفر من اكمال دراسته في ذلك القسم وربما شكل ذلك الموقف انطباع في نفس عبدالله،كان عبدالله ذا روح مرحة وابتسامة حاضرة ودعابة خفيفة.مر الوقت سريعا واستأذن عبدالله من البقية للانصراف وقبل مغادرته أبدى اقتراحه أن يكون هناك مكان يتم فيه اجتماع الأصحاب ويكون كاللقاء الدوري فوافق الجميع على اقتراح عبدالله،هنا تحدث زياد وقال: أنا سوف أبلغ ثامر وبدران وسأصطحب صديق آخر لي يدعى أمين سأعرفكم عليه وأنت ياعبدالله أبلغ صاحبك نواف ولدينا هنا سعيد وسمير وحمد سيبلغ أخاه جمال،هكذا يكون عددنا عشرة،هنا سأل عبدلله زياد: لكن ماذا عن المكان الذي سوف نجتمع فيه؟ فأجاب زياد: لا تقلق دع الأمر علي يوجد حديقة قريبة من هنا يمكننا الجلوس فيها،فرد عبدالله: حسنا هكذا تكون الأمور قد اكتملت وسأبقى على اتصال معك يازياد،فرد زياد: وهو كذلك ياعبدالله.








استأذن زياد من سمير وحمد للإنصراف على وعد منه بالبقاء على اتصال لأجل التنسيق لإجتماعهم القادم.مضى زياد يرافقه سعيد بالخروج من المقهى متجهين نحو السيارة،هنا تحدث زياد لسعيد قائلا له: هل سأقلك لبيتك
ياسعيد أم تحب مرافقتي حيث أذهب؟
فأجاب سعيد: أرغب بالعودة للبيت فلدي بعض الأعمال لأنجزها،لكن إلى أين سوف تذهب يازياد؟
فأجاب زياد: سأذهب للقاء صديق لي في أحد مقاهي الشيشة.
فرد سعيد: هههه أضحكتني يا زياد!!
فرد زياد: لماذا أضحكتك؟
فقال سعيد: لقد أرجعتني يا زياد لأيام خوالي ذهبت في عمق أدراج ذاكرة الزمان، فلقد كنت أذهب لتلك المقاهي في بداية فترة الفراغ التي أعقبت مرحلة الثانوية العامة لكنها لم تطل وتركتها لبُعد مسيرها وموقعها عن بيتنا فارتحت من عناء وتجشم تعب مشوار طريقها لكن ما لبثت حتى التقمني ضباب سجائر التدخين.
رد زياد قائلا: هذه المقاهي يقصدها كثير من الشباب التي تمتلئ نفوسهم بفراغ الوقت لكني لست ممن يرتادها كثيرا لكن صديقي الذي سوف ألتقي به يذهب لها بين فينة وأخرى وكنت أتمنى أن ترافقني لكي تلتقي به فهو مشتاق لك كما أنت مشتاق له فأحببت أن أجمع بينكم،لكن لا مشكلة فالمناسبات القادمة أكثر.
عقب سعيد قائلا: من هو هذا الصديق الذي هو مشتاق لي كما أنا مشتاق له؟ شوقتني لمعرفته يا زياد،كم أنت عجيب فحلقات سلسلة مفاجآتك لا يستطيع أحد التنبوء بها!
فرد زياد بقوله: هههه لا تقلق سوف أتصل بك عندما أجتمع به وستعرف من سيكون ذلك الصديق.








عاد سعيد لبيته بعد أن أقله زياد بسيارته،اتجه سعيد نحو غرفته فمسك مقبض الباب الذي بدى باردا ذلك اليوم كبرودة مشاعر تغتال نفس الانسان،بعد دخوله لغرفته شعر ببعض النعاس بعد يوم حافل وأخذ يستلقي على وسادته الباردة كذلك فجلس يتأمل شهادة الثانوية العامة التي كانت جالسة بالقرب من وسادته،لقد كساها غبار السنين منذ أن تخرج من الثانوية العامة،هنا غط سعيد في سبات نوم عميق فلم يحس بنفسه،فجأة أخذت جنبات السرير تتحرك من تلقاء نفسه! ففز سعيد من نومه مذعورا!هناك شيء يتحرك من تحت باطنية السرير! اقترب سعيد قليلا من ذلك الشيء الذي كان يتحرك من تحت باطنيته! لقد كان هاتفه النقال يهتز دون رنين! إنه زياد يتصل أثناء نومه فوجد سعيد الكثير من الاتصالات الفائته فقام سعيد بالاتصال بزياد،هنا أجاب زياد على اتصال سعيد فقال: أين كنت أيها الفيلسوف هل كنت نائما؟
فأجاب سعيد: نعم كنت نائما يازياد.
فقال زياد: حسنا خذ كلم صديقك الذي كان يغني في فصله!
سعيد: هههه يا أخي أنت شخص عجيب،كيف تعرفت على بدران لا أكاد أصدق.
تناول بدران سماعة الهاتف فقال: مرحبا بك
يا صديقي سعيد كيف حالك؟
سعيد: هههه بخير أيها المغني المتنهد إنها لفرصة رائعة أن سمعت صوتك بعد انقطاع ،كيف حالك أنت وما هي أخبارك؟
بدران: بخير والحمد لله،أما زلت تذكر تنهيدة الغناء التي ألصقها بي ذلك المدرس هههه يا لك من لئيم أنت وثامر كنتم تغطون بالضحك علي وقتها.
سعيد: هههه بالطبع فهل ينسى ذلك الموقف.
بدران: وماهي أحوالك أين وصلت في دراستك؟ هل تزوجت؟ أم مازلت أعزب متسكع هائم على شارع العزوبية.
سعيد: هههه لا مازلت متوقف عن الدراسة
وأستعد للتقديم على اختبارات القبول في معهد الادارة العامة،وأما الزواج فأنت كمن يتحدث عن شيء يحتاج لما يشبه المعجزة،مهر زواج ومجوهرات للزوجة ومثلها لأمها و أخرى لأخواتها وقصر أفرح تقيم فيها المناسبة وولائم العرس والقشة القاصمة المتبقية هي مسألة البيت وتأثيثه،فلأبقى عازب متسكع كما تقول ياصديقي فهذا أرحم من أن أبقى أسدد فاتورة انتحار باهظة الثمن،وماذا عنك أيها الأسير المقيد بحبائل الزوجية،يبدو لي أنك أصبحت أحد اثنين،إما أنك أحد ضحايا نكبة الأسهم أو أنك أحد ضحايا نيران الايجارات؟
بدران: هااااااه.
سعيد: هههه هل عدت لتنهيدة الغناء مرة أخرى أم أن المكان الذي تجلس فيه الآن فيه بيت عنكبوت ينفث غباره عليك فسبب لك التنهيدة هههه لا تخف تنهد كما تريد فالمدرس ليس بجانبي يابدران هههه.
بدران: أنا ياصديقي درست في تخصص الالكترونيات وبعد تخرجي جلست ما يقارب السنتين أبحث عن عمل حتى دخلت في سلك العسكرية ومن بعدها تزوجت وتحملت ما تحملته من مصاريف لا وصف لها.
سعيد: هههه وبعد ذلك تنعتني بالمتسكع يابدران،يبدو لي أنك أنت الهائم بين تكاليف الزواج المرهقة التي أثقلت كاهلك.
بدران: أنت تلامس الحقيقة في كلامك هههه.
سعيد: وأين تسكن الآن يابدران؟
بدران: كنت أسكن في حي الصحافة  حيث كنت مستأجرا هناك لكني خرجت منه قبل نحو سنة.
سعيد: حي الصحافة هههه ربما أصابك جوع إيجاراته بالنحافة يابدران.
بدران: تقريبا تستطيع أن تقول ذلك ياصديقي.
سعيد: اذن أين انتقلت الآن؟
بدران: لقد انتقلت لحي الشفاء؟
سعيد: هههه لماذا دوما تنتقل لأحياء أسمائها معبرة يستوحي منها السامع مضامين أمور،هل ذهبت لتنشد الشفاء من غلاء ايجارات أصحاب السكن؟ أظنه أصابك المرض وليس الشفاء؟ أليس كذلك أيها المغرد؟
بدران: هههه كلامك صحيح أصابني مرض غلاء الايجار لكنه مرض أقل من مرض ذلك الايجار الباهظ المرتفع.
هنا قفز زياد على خط الهاتف مقاطعا بعد طول المكالمة فقال: هل انتهيتم من الحديث أما يزال للحوار بقية؟
سعيد: هههه لقد انتهينا يا زياد لا تقلق فعلى ماذا أنت مستعجل؟
زياد: لا شيء لكني رحمت حال بدران وهو ممسك بخرطوم الجراك حيث أنه يتحدث إليك وينفث دخانه في نفس الوقت.
سعيد: هههه لا مشكلة فربما كان ينفث هموم نفسه وفعلا لقد أزعجني صوت تنفيث ذلك الجراك فأحسست كما لو أنه ينبعث عبر ذبذبات سماعة الهاتف.
بدران: حسنا يا سعيد لا أرغب في الاطالة عليك وإن شاء الله لنا لقاء قريب بإذن تعالى فلقد أخبرني زياد أنه يقوم بتنسيق لقاء نجتمع فيه.
سعيد: وهو كذلك وإن شاء الله سيكون ذلك،إلى الملتقى يا صديقي.








ذات صباح رن هاتف سعيد على غير العادة بأن يتصل عليه شخص في مثل ذلك الوقت، استيقظ سعيد على رنين الهاتف،أووه إنه زياد!! ما الذي جعله يتصل في مثل هذا الصباح الباكر؟
أجاب سعيد على زياد: نعم يازياد ماذا لديك،هل ترى أنه وقت مناسب للإتصال؟ فاليوم الخميس والساعة تقارب السادسة حيث أغلب الناس نائمون،لا تقل لي أن لقائنا مع الشباب سيكون في الصباح.
زياد: أعتذر لإزعاجك وايقاظك من النوم وبالطبع لن يكون موعد لقائنا بالأصحاب في الصباح لكن النعاس اغتاله دخان التفكير فجأة ففارق النوم جفوني وقلت سأتصل بك لنلتقي ونذهب بجولة في السيارة.
سعيد: لا داعي للاعتذار ياصديقي فلقد انتقل السحاب الذي أطار النوم عنك لينتقل عندي هههه لا مشكلة،لكن إلى أين تحب أن نذهب أيها الرحالة العظيم.
زياد: مارأيك أن أمرك ثم سنذهب لبدران لنأخذه من منزله ونذهب للإفطار؟
سعيد: هل أصاب عقلك جنون! نمر على بدران وفي مثل هذا الوقت الباكر!
زياد: لا تقلق دع الأمر علي فبدران تجده مستيقظ في مثل هذا الوقت فيكون جالسا عند الانترنت كعادته يدردش في موقع الشات.
سعيد: هههه اذن أنت قد خططت من قبل لهذا الأمر يازياد،حسنا سوف أنتظرك.








وصل زياد لمنزل سعيد وخرج سعيد برفقته متجهين صوب منزل بدران،أثناء الطريق أخذ سعيد يقول لزياد: الطرق شبه خالية يا لك من متسكع يا زياد أيقظتني من الصباح الباكر للدوران معك بالسيارة.
زياد: ماذا تريدني أن أفعل اذن،النوم قد غادر عيناي فماذا عساي أن أعمل؟
سعيد: انفع نفسك،قم بقراءة كتاب،اكتسب معلومة أو معرفة تفيدك وتنير عقلك.
زياد: لا تنتهي ديباجتك وسمفونيتك الثقافية أبدا يا سعيد.








وصل سعيد وزياد لعتبات ذلك الحي الذي يسكن فيه بدران،مروا بحي مجاور لذلك الحي،كان في ذلك الحي شارع يعرف بشارع المستودعات يمارس فيه الشباب التفحيط والدوران بالسيارات،طلب سعيد من زياد التوقف فجأة فقال زياد: لماذا تريد أن نتوقف هنا؟
سعيد: لحظة يا زياد فأنا أريد تأمل هذا الشارع لماذا يقدم الشباب على ممارسة التفحيط وقضاء أوقاتهم فيه،قد يكون هذا الشارع بمثابة حاصد الأرواح لهم،بدت المستودعات المأهولة بذلك الحي رغم كثرتها هادئة كأن أرواح سكنت فيها،هل لأننا جئنا في وقت مبكر يا زياد أم أنه غموض الأمكنة ما جعل تلك المستودعات ساكنة؟
زياد: لقد أخفتني يا سعيد بكلامك وأوصافك.
سعيد: هههه ماذا دهاك لا تخف فالأشباح لا تظهر في الصباح.
هنا رن هاتف زياد! لقد كان بدران يستعجلهم بالحضور لديه.وصل سعيد وزياد لمنزل بدران فذهبا سويا لمطعم قريب ليأكلا فيه.في المطعم أخذ سعيد يسأل بدران: لقد مررنا بشارع تفحيط قريب من بيتك يابدران فهل تصلك أصواتهم بشكل واضح؟
بدران: أوووه أنت تمزح فأصواتهم تؤجج أركان العمارة التي أسكن فيها فهم يفحطون ليلا ونهار سرا وجهار لا يملون،لكنهم يثيرون رغبتي في التفحيط من خلال بعض الحركات والانطلاقات التي أسمع وصفها من المفحطين وهم يقومون بها.
سعيد: كم هو مؤسف حال أولئك الشباب.
بدران: وماذا تريد منهم أن يفعلوا فبعضهم تخرج وجلس في البيت فإما أن تجده مابين مفحط بالسيارة أو هائم في المقاهي هذا حال العازب وأما المتزوج فتجده في الاستراحة وهي زوجته الثانية.
سعيد: هههه أخال كلامك يلامس الواقع بالفعل يابدران.
بدران: حسنا اليوم هو لقاءنا مع بقية الشباب أليس كذلك؟
أجاب زياد بقوله: نعم إن شاء الله.
بدران: وأين ستجتمعون؟
زياد: لقد وجدت حديقة بالقرب من بيتنا يمكننا الجلوس فيها.
بدران: اذن موعدنا الليلة إن شاء الله.








أقل زياد بدران بسيارته وأوصله لبيته وبعدها مضى في طريقه ليوصل سعيد لبيته.في أثناء الطريق أخذ زياد يتحدث لسعيد قائلا: هل علمت ياسعيد بأن ثامر قد ترك عمله وانتقل لعمل آخر؟
سعيد: لا لم أعلم بذلك يازياد لكن ماذا يعمل ثامر الآن؟
زياد: إنه يعمل في محل لأدوات المكياج والزينة؟
سعيد: ما شاء الله.
زياد: لكن ألا ترى في ذلك نقلة غريبة فمن نادل في مطعم إلى موظف في محل مكياج وزينة؟
سعيد: امممم قد أرى في تحليلي الشخصي الأمر من زاوية أخرى غير التي تراها!
زياد: لم أفهم قصدك،اشرح لي.
سعيد: حسنا سأشرح لك لكني أحتاج أن ترخي لي عقلك لنغوص سويا لتفهم مقصدي.
زياد: اذن لنبدأ.
سعيد: ثامر كان يعمل نادل في مطعم وهو لديه فرصة ليقف عن كثب ليرى ويتعرف كيف تكون مكونات ومقادير الطعام والتي تشكلها تلك المكونات والمقادير لينتج لديه في النهاية عدد كبير من الأكلات والأطعمة فهو سيحفظ كيفية إعداد تلك الأكلات وكذلك تماما أحداث ومواقف الحياة عندما يعايش الشخص أحداث ومواقف معينة ويكون معايش لها عن قرب فهو يتعرف على طبيعة ومسببات حدوث تلك الأحداث فسيحفظ مقادير تكونها وتشكله أكثر من أي شخص بعيد عنها.
زياد: أهاااا هذه النقطة فهمتها الآن،حسنا ومسألة عمله في محل المكياج والزينة كيف تراها.
سعيد: بعد أن يعرف ثامر كيفية تكون الأطعمة فهو الآن لديه محك جديد في مكان عمله، سيرى ثامر في عمله كيفية شكل المساحيق الصناعية التي توضع على الوجوه الطبيعية فكل مسحوق يعطي وجها جميل وآخر دميم وآخر مبهم،فكل مسحوق تجميل تراه على وجه الشخص يعطي شكل مختلف ومتفاوت قد لا يعكس بالضرورة وجه الشخص وإن بدى المسحوق جميلا بألوانه الباهرة أو الهادئة فهو يبقى بمثابة القناع الذي يتخفى وراءه صاحبه.
زياد: استنباطك بليغ وعميق جدا يا صديقي.
سعيد: هههه شكرا لك على هذا الاطراء يارفيقي،هيا لقد وصلنا للبيت،كانت نزهة جميلة،أراك الليلة يا صديقي
زياد: إن شاء الله.








 في المساء ذهب سعيد للمقهى لقضاء بعض الوقت هناك فطلب فنجان من القهوة ليشربه كان صوت انسكاب القهوة التي يقوم العامل بصبها داخل الفنجان لافتا بعض الشيء في بداية فراغ الفنجان ثم هادئا عند اكتمال صب الفنجان،في تلك الأثناء تقدم العامل صوب سعيد حاملا فنجان القهوة على صينية التقديم،كانت خطى أقدامه متفاوته في صوتها عبر حذائه وكذلك صوت تمايل شراب القهوة والفنجان معا والتي ربما تأثرت بصوت خطاه،ربما كانت أصوات خطاه تعبر وتعكس حالته المزاجية والنفسية،وضع العامل فنجان القهوة ثم مضى ليكمل بقية أعماله، تناول سعيد فنجان القهوة ليشرب منه وفجأة سمع سعيد دوي صوت قوي هز أركان أذنيه فسقط الفنجان أرضا وتناثرت قطعه!! لقد كان الصوت هو صوت عطاس ذلك العامل الذي عطس عطسة قوية،ربما استنشق رماد هواء ضايق خياشيم أنفه،هنا ضج هاتف سعيد بالزعيق الرنيني!! أوووه إنه زياد!! للتو التقيت به صباحا فماذا لديه الآن؟ فنجان القهوة سقط وانكسر وسال شراب القهوة أرضا،كم هو حظي عاثر وسيء اليوم.أجاب سعيد على اتصال زياد فقال: مرحبا بك يازياد،تفضل ماذا لديك؟
زياد: الليلة هو موعد لقائنا لقد تحدثت لبقية الشباب وأكدت عليهم الموعد.
سعيد: أظنك أنك أخبرتني صباح هذا اليوم يازياد عندما كنا سويا في سيارتك،أم أني كنت أحلم أو أهذي على يقظة الحياة ياصديقي؟
زياد: هههه بلى لقد أخبرتك،لكني لم أخبرك أين المكان الذي اتفقنا عليه كمكان للإجتماع.
سعيد: حسنا أخبرني أين سيكون المكان؟
زياد: هل تعرف الحديقة المجاورة التي تقع على مقربة من حارتنا التي نسكن فيها؟
سعيد: نعم نعم عرفتها يا زياد.
زياد: اذن سيكون لقاءنا هناك بعد عشاء هذا اليوم يا صديقي.
سعيد: خيرا إن شاء الله،سأكون على الموعد.








في ليلة ذلك اليوم ذهب سعيد بسيارته نحو تلك الحديقة،مسطحاتها خضراء مسترسلة في خضرتها،أرصفتها المبلطة باللونين الأحمر والأصفر،فاللون الأحمر يرمز دائما للحزم والحيوية المتدفقة واللون الأصفر يرمز للموضوعية والعملية،كانت ظلال أوراق الشجر وسعاف النخيل منسدلة على ناصية العشب والرصيف والحجر،بركة ماء مسيّجة ومسورة تتوسط تلك الحديقة،منازل وبيوت فخمة ذات تصاميم جميلة تحيط بجنبات الحديقة ومدرسة تجاور الحديقة تسمع قرع صوت الجرس ينبعث منها ايذانا ببدء حضور الطلاب في الصباح واعلانا بإنصرافهم في وقت الظهيرة.هنا اتصل سعيد بزياد ليرى أين هو فرد زياد على الهاتف: مرحبا بك ياسعيد،أنا آتي في الطريق وكذلك بقية الشباب،خلال عشر دقائق سنكون متواجدين.
سعيد: حسنا سوف آخذ جولة حول الحديقة ريثما تجيئون.








أخذ سعيد يتنزه في جنبات تلك الحديقة وفجأة صاح لسان مشاجرة ضجت لها الأسماع!! أخذ سعيد يتتبع مصدر ذلك الصوت،لقد كانت هناك فتاة تعتدي على بائعة متجولة وتركل بضاعتها أرضا،اقترب سعيد أكثر وتجمع كل من كان في تلك الحديقة لفض الشجار، كانت بضاعة تلك البائعة صد تناثرت يننة وشمالا وأخذت الفتاة تدهس بضاعة البائعة وتكيل لها الكلام البذيء والعبارات المسيئة، كانت الفتاة صغيرة في السن والبائعة تكبرها بكثير لكن ذلك لم يمنع من توقف الفتاة من سياقة الكلام البذيء وألفاظ السب والشتم لتلك البائعة،حاول المتجمهرون الامساك بالفتاة لفض النزاع والشجار،أمسك سعيد وآخرون تلك الفتاة لثنيها عن خلق الفوضى وقاموا بإركابها في سيارتها لتذهب لكنها أبدت مقاومة شرسة كما لو كانت مقاومة شاب فتيّ ذا قوة جبارة فقام سعيد والآخرون بسحبها نحو السيارة لتذهب فما زالت تكيل السب والشتم وعبارات التهديد لتلك البائعة أنها ستنتقم وسترد اعتبارها منها إن لم تكف عن نشر الأقاويل والأراجيف عنها حسب كلام تلك الفتاة.غادرت الفتاة تلك الحديقة وأخذ سعيد ومن معه بلملمة ما قامت تلك الفتاة ببعثرته من بضاعة البائعة واعادة ترتيبه لمكانه السابق.بعد أن هدأ روع البائعة أخذ سعيد بعد إلقاء التحية بسؤالها: ماذا بال تلك الفتاة وما سبب المشاجرة يا أم منصور؟
فأجابت أم منصور: هذه الفتاة أعرف أمها وقد جاءت عندي وأخذت تقول وتتهمني أني قلت أنها تدخن وتتعاطى المخدرات،وأنا لم أقل شيء من ذلك القبيل فكل ما قلته لأمها هو أن تبتعد ابنتها عن ابنتي،هذا كل ما في الأمر.
سعيد: لكن ينبغي عليك يا أم منصور أن تحرري شكوى لدى الشرطة بما حصل من تلك الفتاة لكي لا تقوم بتكرار ما حصل.
أم منصور: أم تلك الفتاة صديقتي ولا أريد أن يتطور الأمر لشيء لا يحمد عقباه.
هنا جاءت أم تلك الفتاة وأخذت تعاين ما بدر من ابنتها من تخريب لبضاعة أم منصور ودخلت معها في حديث جانبي.في تلك الأثناء أحس سعيد بلكزة آتية من خلف ظهره فأدار ظهره ليرى من قام بلكزه،لقد كان زياد وبقية الشباب قد أتوا بعد خراب مالطا،جلس الشباب يقولون ما الذي حصل فأخبرهم سعيد ما كان من أمر المشجارة وحديثه مع أم منصور فأخذوا يمازحونه بالقول قائلين: يالك من مشاغب يا سعيد تحاول التودد لتلك البائعة بترتيبك لبضاعتها ومساعدتك لها!
فرد سعيد قائلا: هذا واجب انساني أن تساعد أحد تراه في مشكلة أمامك أيها المتسكعون.،حسنا لنذهب الآن لنواصل حديثنا.
فقال الشباب: حسنا لنشتري قليلا من الشاي من عند أم منصور،فأخذ الشباب الشاي وتوجهوا للجلوس في مكان ما من تلك الحديقة.








أخذ الأصدقاء بنثر أحاديث الذكريات على بساط تلك الجلسة التي جمعتهم،فأخذ سعيد وبدران وثامر يسترجعون ماضي الدراسة الثانوية العامة ومواقف الدراسة وتلك المرحلة، وأما عبدالله دخل مع زياد في استجلاب لحظات التعارف الأولية مع زياد ومباريات كرة القدم في الملعب الذي التقوا فيه سويا، وأما جمال وأخوه حمد فجلسوا يحكون أحاديث ومواقف تلك الباحة التي كانوا يلعبون فيها كرة القدم مع نواف وشباب آخرين ولقائهم في أيام مضت بزياد وأحداث ذكريات جميلة،أما أمين فأخذ يحكي قصة تعارفه الأولي بزياد عندما كان يأتي للعب كرة القدم في ساحة عمارتهم حيث يقطن أمين،هنا التفت الشباب صوب ذلك الشخص الصامت! لقد كان الشخص الصامت هو سمير! فقالوا له: هل استفقت أيها السكير من سباتك وهدوئك أم ما تزال سكرة النوم والشخير مواصلة سيرورتها عليك؟
هنا ضحك سمير ورد قائلا بلغة متكسرة الحروف في صمتها: ماذا تريدونني أن أقول أو أفعل؟
فقال له بدران: هل ترى تلك البركة التي تتوسط الحديقة؟
فأجاب سمير: نعم أراها.
فقال بدران: اذهب ثم اقفز وألقي بنفسك في داخلها،نحن هنا مجتمعون للحديث وتعارف الجميع على بعضهم البعض فإما أن تتحدث أو أن تقوم بما أخبرتك به،فغط الشباب بعد مقولة بدران في ضحك مستمر.








مرت الأيام وتوطدت العلاقة بين الجميع حتى سادها الألفة والمودة وتواصلت معها اللقاءات على ضفاف تلك الحديقة.في أحد المرات التي كان الأصحاب ذاهبون للجلوس في تلك الحديقة وبعد وصولهم شاهدوا ذلك الإزعاج الصادر من الشباب الموجودين في الحديقة حيث كان هناك شباب يوقفون سياراتهم جانبا فتصرخ حينها ألسنة الأغاني ويقومون بالرقص على أنغامها فيتسببون بالتالي في ازعاج الجالسين بضجيج أصواتهم،في تلك الأثناء عم الهدوء جنبات تلك الحديقة فلم يرى الأصحاب الذين كانوا يتناولون طعام عشائهم في الحديقة سوى غبار أقدام أولئك الشباب وقد رحلت فجأة عندما رأت رجال واعظون أتوا للحديقة وكانوا يجوبون على الجالسين فيها ويوزعون أعواد السواك وبعض الأشرطة الهادفة على الشباب المتواجد.أثناء تناول الأصحاب لطعام العشاء اقترب رجل واعظ منهم وكان يحمل أشرطة ليقدمها لهم فألقى عليهم السلام والتحية فقال لهم((بالعافية عليكم))وأتمنى أن لا تغصوا بسبب ضجيج أولئك الشباب،بدى وجه ذلك الواعظ كما لو كان قمرا وضاء في ظلمة الليل الحالك،كان عبق رائحة العود تتهاوى عطرا وأريجا من لحيته التي اكتست بوشاح الهيبة وعباءة الوقار عانق سكون تلك الليلة،كان يتحدث بلغة لطيفة ورقيقة فسلم أشرطة لأولئك الأصحاب،كانت بعنوان((عيش السعداء)) للشيخ محمد العريفي،لحظات وانصرف ذلك الواعظ ماضيا في طريقه،هنا نظر الأصحاب كل واحد منهم لوجه الآخر ثم تحدث بدران قائلا: هل سيفيدكم سماع شريط عيش السعداء أيها التعساء المتسكعون.
فعقب سعيدا قائلا: لا تقل ذلك يا بدران،اجعل نظرتك للحياة تفاؤلية فصبر التعاسة والبؤس تحيا به النفوس.
فرد بدران بقوله: لم أقصد ذلك فقط كلمة عابرة خرجت من لساني.
 هنا جاء زياد برفقة ثامر فسلموا على الأصحاب ثم جلسوا فقال ثامر متحدثا لهم: ألستم جائعين؟
فرد الجميع بصوت واحد: لقد سبقناك بالعشاء((علينا بالعافية)) لكن نقترح عليك الذهاب والجلوس مع صديقنا المجهول الذي يجلس عند تلك الشجرة فهو للتو قد طلب من المطعم،اذهب واجلس معه  فكمية الطعام تبدو كثيرة عليه.كان ذلك الصديق المجهول شاب في أسنان وأعمار أولئك الأصحاب لكنهم لا يعرفونه فيرونه يأتي ويرمي ببساطه المهلهل الصغير ويجلس لوحده منزويا تحت شجرة ويبدأ رأسه بالتمايل على أنغام موسيقى الراب والجاز ويجلس يراقص نفسه وتراقصه فهو على تلك الحال في كل مرة.بعد مقولة الشباب السابقة صمت ثامر فلم ينبس ببنت شفاه وعرف أنه دوما ضحية شبه دائمة لتلك الجلسة عندما يتعلق الأمر بالعشاء فهو إما أن يتأخر في حضوره لهم بعد خروجه من عمله فيأتي فيجدهم قد أكلوا أو أنه يضطر للإنتظار طويلا حتى ينتهوا من لعب الورق فيطلبوا بعد ذلك طعام العشاء أو أنه سيعود لبيته بعد أن ينفض الجميع لبيوتهم لكي يأكل طعام العشاء لوحده.








في أحد الأيام كان سعيد جالسا بعد أداء صلاة الجمعة في المقهى المجاور لمنزله فاتصل به صديقه نواف فأجابه سعيد: مرحبا بك يا نواف.
فقال نواف: اليوم رائع والجو جميل ما رأيك أن نذهب سويا للغداء؟
فأجاب سعيد بقوله: حسنا لا مشكلة تعال لنمكث قليلا من الوقت في المقهى لشرب القهوة ثم نتوجه للغداء.
فرد نواف: حسنا سوف آتي إليك يا سعيد.








جاء نواف للمقهى والتقى بسعيد وجلسا يتحدثان في أخبار العمل وأخبار كرة القدم وأمور شتى فجلس نواف يسأل سعيد قائلا: هل صادفك يا سعيد في عملك المصرفي مواقف طغى فيها جانب الانتماء القبلي لتعامل الأفراد مع بعضهم على جانب المهنية والمنطقية لأداء وفكر الشخص بعيدا عن انتمائه القبلي؟ 
 فأجاب سعيد بقوله: بالطبع كثيرة هي تلك المواقف التي صادفتها ويصادفها كل شخص في مكان عمله وربما أنت تعايشها كذلك في عملك الحكومي يا نواف.
أجاب نواف: نعم للأسف تجد ذلك الأمر متغلغل بشكل كبير،لكن ما السبيل للخلاص من ذلك الأمر يا سعيد.
أجاب سعيد: قد لا يكون هناك حلول عاجلة وناجعة في المدى القريب،لكن قد يتكفل الوقت والظروف تغيير ذلك الوضع،فالعالم يتغير وكل شيء من حولنا يمضي يا نواف،أهم شيء أن لا يعيق سلبية ذلك الوضع الفرد عن تطوير نفسه للحاق بركب المتقدمين.
بعد ذلك مضى سعيد وزياد للمطعم لتناول طعام الغداء وبعد فراغهم من الأكل عرض نواف على سعيد مرافقته للسوق لشراء بعض المستلزمات الخاصة بشقته التي يعدها ليسكن فيها عند زواجه،فرحب سعيد بالفكرة وذهبا سويا نحو السوق وبعد فراغ نواف من شراء حاجياته من السوق قام بإيصال سعيد لسيارته وقبل نزوله سأل نواف عن اجتماع الليلة مع الشباب أين سوف يكون؟
فقال سعيد: سيكون في منزل جمال حيث أنه حدثني بالأمس فأخبرني أن الطقس بارد هذه الأيام لو ذهبنا لتلك الحديقة فاستعاض عنه بأن نجتمع في منزله.
فقال نواف: حسنا نراك الليلة إن شاء الله.








اجتمع الأصحاب في منزل جمال حيث جلس الجميع في خيمة الشعر المنصوبة في حديقة منزلهم،بدت تلك الخيمة مع كبر حجمها صغيرة جدا رغم تغاريد أحاديث أولئك الشباب،كان صوت الحطب يتقد اشتعالا ليواصل حرق دخانه ليجوب في جنبات تلك الخيمة فيلاحق صوت غليان حليب الزنجبيل الذي كان صفير بخاره يغلي عبر عنق الأباريق ليصرخ عن قرب موعد سكبه في أقداح الشرب والتي كان يمسك بها كل واحد من أولئك الأصحاب ليشربوا مزيج شراب دافئ لبرودة مشاعر وأحاسيس أصابت جدران الحياة،جلس أولئك الأصحاب يقضون وقتهم ما بين شخص يلعب الورق وثاني يتجول في عالم الانترنت وآخر يقرأ الصحيفة،في تلك الأثناء جاء جمال ليقوم بصب الحليب ليقدمه للأصحاب لكن الابريق كان شديد الحرارة فحاول البحث عن قطعة قماش قريبة منه ليمسمك الابريق فلم يجد سوى كتيب صغير غطاه الغبار فقام بثنيه ليساعده في صب الحليب،بعد الانتهاء من تقديم الحليب للأصحاب قام جمال بإعادة الكتاب لوضعه السابق وفجأة انتبه جمال لعنوان ذلك الكتاب فكان الكتاب يحمل عنوان
((الزواج في الاسلام)) للشيخ محمد العثيمين-رحمه الله-هنا التفت بدران صوب جمال فقال له: ألا أجد عندك كتاب آخر لديك بعنوان ((العزوبية في الاسلام)) فهي جميلة مريحة من تكاليف الزواج المرهقة فتعال شظايا الضحك على مقولة بدران.








مضى الوقت سراعا وحان موعد انصراف الجميع كل واحد سيمضي لبيته،عندما هم الجميع بالخروج من بيت جمال وقفوا قليلا عند عتبة بابه يتجاذبون ما تبقى من فتات أحاديث تلك الجلسة وفي سكون الليل وهدوئه عند وقوفهم في تلك اللحظة مرت سيارة عابرة بجوارهم فكانت تصدح منها صوت أغنية فكانت كلمات تلك الأغنية تقول: الليلة دوب ولازم نرضى بالمكتوب الليلة ديه)) هناك التفت بدران لسعيد بتعجب ثم تبسم قائلا له: أنرضى بالمكتوب يا سعيد؟
فرد سعيد: لنرضى بالمكتوب مهما كانت العيوب.








بدران اشترى هاتف البلاكبيري ليدخل عالم تواصل جديد يبتعد من خلاله عن زحمة وهموم مصاريف زواجه الباهظة فيعيش تنهيداته الغنائية.




جمال اشترى هاتف جالاكسي سامسونغ ليواكب ركب التقنية وأخذ ينشغل في وظيفته التعليمية ليصنع جيل طلاب جديد يرى فيهم سعادة حياة وأمل تفاؤل ربما لم يراها في محيطه الحياتي.




نواف ما زال يواصل عملية تجهيز شقته فلم يتبقى منها سوى مهمة تبليط الأرضيات ودهان الجدران وتركيب الأبواب لكن نشاطه تراوح بين سكون وحركة فمخالفاته المرورية أوقفت سرعته في اتمام تجهيز الشقة.




عبدالله بدأ العودة لميدان الدراسة الجامعية بعد أن تركها ليواصل حرق الكتب وصراع المذاكرة لكي لا يسكن الغبار على وجه ترقيته التي سكنت في أدراج مديره.




ثامر ترك عمله في مجال المكياج والزينة للعمل في متجر لبيع الأثاث والمفروشات ربما أراد أن يبحث عن أثاث مريح يجلس ويستريح عليه عوضا عن أثاث أحداث الحياة المتعبة،وما يزال ينتظر قدوم شحنة السيارة التي اشتراها وستبقى شركة التقسيط تشاركه في راتبه لأربع سنوات قادمة.




أمين ما يزال يُعد السيرة الذاتية الخاصة به ليجد العمل الملائم لمهاراته الخاصة به وما يزال ينثر أبيات شعره على ضفاف تلك السيرة الذاتية ليرسم قصيدة وظيفته التي يحلم بها.




حمد  دخل عالم البلاك بيري أسوة ببدران ليملئ أسوار وقت فراغه وما يزال ينتظر موعد صرف اعانة حافز بفارغ الصبر بعد أن أصاب الكسل أضلاعه للبحث عن عمل.




 سمير ما زال غارق في سكره الحسي والذي ولده واقعه العملي فحياته بين العمل الطويل براتب زهيد وبين الترويح عن نفسه في الدخول للإنترنت وبين عودته للبيت.




زياد توفي والده وانتكست حالته النفسية فأصبح كثير الهذيان والشرود عندما يتحدث مع أصحابه فأصبحت قواه العقلية تصحو ثم تخبو فأصبح يعيش كثير من أحداثه خارج اطار الواقع.




سعيد يقضي جُل وقته في التأمل والكتابة ليعيد رسم خارطة طريق جديدة يصارع من خلالها تخلف أسرته وجهل أشقائه ويجابه سقوطهم العقلي وليعيد تشخيص ماضي أحداث حياتهم وحياة أصحابه البائسة ليصف الدواء الناجع ليعالج جراحاتهم المتشظية لصياغة شكل مستقبل جديد.........سعود المحمود

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

عناق ذكريات على مائدة زواج

كانتا صديقتين متحابتين منذ سنين زمان بعيد مضت وانقضت،كانت تلك الصديقة تذهب مصطحبة ابنتها الكبرى وبقية بناتها الصغار لمنزل صديقتها على الدوام، فيجلسن سويا يتجاذبن أطراف الحديث على طاولة اجتماع حميمي تحت أضوء شفق النهار المتمزق الآزف بالرحيل وبريق مزيج الشاي الأحمر المعفر بحبات الحبق الزكية ووضح خيوط القهوة الذهبية المبهرة بحبوب الهيل والزعفران وقطع الرطب المجعد الذائب في فم آكله وصنوف المكسرات الحاليه والمالحه المشكله والملونه، كانت تغاريد أصوات الصديقات تجوب أرجاء تلك الصالة التي كانت جدران تحفظ همسات كلامهم فكانت الأحاديث منوعة عن النساء وأخبار تلك الجارة وتلك المرأة وذلك العرس وماذا لبسن النساء فيه وماذا كان عشاءهم وكيف كان شكل العروسان وكوشة الفرح وكم كانت هي كثيرة حروف وكلمات أحاديث تلك الصديقات التي كانت مبعثرة وملقاة على طاولة لقائهن ليختاروا ما يتحدثن به فكانت تلك الحروف والكلمات تتحرك وتهتز لها تلك الطاولة حسب نوع الحديث الصادر من شفاه تلك الصديقات إن كان الحديث فرائحي فهي تبدأ بالتراقص والتمايل فتهتز الطاولة لفرحهن وإن كان الحديث حزائني تبدأ بالتعانق فتمسك بأيدي بعضهن البعض فتنكسر جنبات الطاولة تعبير عن حزنها وهكذا على ذلك المنوال يكون حال تلك الحروف والكلمات والطاولة.في تلك الأثناء كان أولاد كلا الصديقتين يلعبون دوما في حديقة المنزل مع كل لقاء تجتمع فيه أمهاتهم،فيأخذون تلك الكراسي ذات اللون الخمري والمخملي حيث كان يكسوها الغبار فيقومون بمسحه فيحملون الكراسي ويقومون بوضعها بشكل دائري بحيث لا تكون مساوية لعددهم فيدورون حولها وفي لحظة مفاجئة يتوقف الجميع فيتسابق كل واحد منهم على حجز كرسي ليجلس عليه ومن يبقى واقفا يعتبر هو الخاسر وبعدها يغط الأولاد في الضحك البريء على بعضهم البعض،في تلك الأثناء كان هناك ولد صغير يحمل أثناء لعبه مع الأطفال رغيف خبز يأكل منه وكان يشعر بالحر قد أصابه فأخذ يهف برغيف الخبز نحو وجه وكان في الجوار الإبنة الكبرى لتلك الصديقة تراقب لعب الأطفال الصغار فأخذت تقول للولد الصغير: لا تهف برغيف الخبز على وجهك فهذه نعمة الله عز وجل فابتسم الولد الصغير بعد تلك المقولة.في عصر أحد الأيام سمعت تلك الصديقة رنين الهاتف،بدت رناته مرهقة ومجهدة فأمسكت الصديقة بسماعة الهاتف للرد على المتصل، كانت سماعة الهاتف في تلك اللحظة كما لو أنها ستلفظ ما بداخل جوفها ليخرج من عنقها التي تمسك بها يد الصديقة،جاء أثير ذلك الصوت المتكلم المبحوح لقد كانت المتصلة صديقتها تنعى خبر نبأ وفاة ابنها،وضعت الصديقة سماعة الهاتف وبقيت ضاغطه عليها فكأن زر الاتصال الذي وقفت عليه السماعة قد بلع لسانه من وقع ووطأة الخبر،هنا تأمل الولد الصغير ملامح وجه أمه الحزينه وتلك الدموع التي كانت تذرفها بانسيابية كحبات لؤلؤ تتهاوى عبر خديها التي تشبه قماش حرير ناعم فسكن الأسى قلب تلك الأم حزناً على مصاب صديقتها وما ألم بها من وفاة ابنها.تفرق شمل الصديقتين وحلت القطيعة بينهما بسبب وشاية كلام ونميمة حديث دخلت فيما بينهما فقطعت أواصر صداقة ورفقة درب بين الصديقتين فتجمدت مياه معرفة عذبة كانا يتشربان من صافي نميرها.مضت السنين متشظية بأيامها ولياليها يقطع بعضها الآخر على قطيعة العلاقة بين الصديقتين،وذات مساء مساء رن جرس الهاتف فرفعت الأم السماعة لتجيب المتصل،كانت المتصلة هي إحدى صاحبات تلك الأم،كان قلب صوت المتصلة نبضاته متسارعة وبعد أن رحبت الأم بها صمتت المتصلة لحظات فآثار صمتها خوف الأم ثم أخذت المتصلة تقول: عظم الله أجرك في رفيقتك وصاحبتك أم عبدالله غفر الله لها،هنا ابتلعت الأم غصات وحجارة حزنها الدفين ثم قالت كيف ماتت؟ فقالت المتصلة: كانت قد أعدت حقائبها للسفر وبعد زيارتها لأحد بناتها ضاق عليها التنفس وسقطت مغشيا عليها ولم تسعفها محاولات الإنقاذ ففاضت روحها لبارئها،ربما ضاق تنفس تلك الصديقة لأن نسيم هواء صديقتها قد غاب عن محيط تنفسها لسنوات،أغلقت الأم سماعة الهاتف وتكرر مشهد سابق ليعانق مشهد لاحق فتحشرج فؤاد تلك الأم المكلومة على رحيل رفيقتها،تأمل الولد الصغير حزن أمه يتكرر مرة أخرى بنفس ذلك المشهد الذي عاشه معها فاسترجع عقله ذلك الموقف من سجلات أرشيف الذاكرة فكان كالشاهد للحظتين من الحزن عاشتها روح أمه في الماضي والحاضر.ذهبت الأم مع ولدها الصغير لتعزية أبناء صديقتها،التقت بالإبنة الكبرى لصديقتها بعد طول انقطاع فقامت بتعزيتها.ذات يوم حان موعد زواج أحد أبناء الأم وقبل موعد الزواج أخذت الأم توجه رقاع دعوات العرس على صديقاتها وجاراتها،أخذ الولد الصغير بطاقة دعوة خلسة دون أن تعلم أمه وقام بإرسالها للإبنة الكبرى لصديقة أمه،حان يوم الزواج وحصل التلاقي بين الأم وابنة صديقتها القديمة فكان عناق الذكريات واللقاء على طاولة مناسبة الزواج وعادت الحروف والكلمات لتتراقص وتتمايل على الطاولة من جديد كما كانت تفعل ذلك في ماضي الوقت، فابتسمت الأم الجميلة في وجه نفسها عند تلك اللحظة..........سعود المحمود

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

سقوط انسان

ذات يوم غادرت خادمتنا متجهة وعائدة في طريقها نحو وطنها،سنتان بأيامها وصباحاتها ومساءاتها ولياليها مضت سراعاً من عمر الزمان قضتها تلك الخادمة في بيتنا،كنت خارجا من غرفتي متجها لخارج البيت فلمحت حقائبها وكانت قد حزمتها استعدادا للرحيل والمغادرة للمطار وربما وضعت في داخل الحقائب تلك الذكريات التي جمعتنا بها،على عجل أعادت ذاكرة عقلي تلك الأوقات التي كانت تستيقظ فيها منذ ساعات الصباح الباكر فتبدأ بمهام العمل من تنظيف البيت وغسل الصحون ونشر الغسيل في فصل الشتاء حيث وقع ونضح الماء يكون أثره مؤلما على اليدين كوقع الجليد حينما يتشظى ويتكسر فما بالك بوقعه على النفس والروح حينما يعانق برودة الطقس فهو يشابه شعور وخز الإبر،تأملت في مخيلتي حالها عن كثب كيف تركت أهلها وأولادها ووطنها وشقت وتجشمت عناء المسير لطلب الرزق القليل اليسير،وضعت لنفسها هدفا ساميا بأن تعود لتسعد وتفرح أبنائها بما قمت بجمعه طول مكوثها لدينا في مقابل أن تعايش قسوة ووطأة غربة،قد ننظر نحن لأولئك الخدم أنهم ليسوا من بني البشر في نظرنا القاصر حيث لا مشاعر ولا أحاسيس لهم فتكون تلك النظرة الاستعلائية الفوقيه المقيته من قبلنا نحوهم،قبيح هو ذلك السقوط والتدحرج بل والتهاوي الانساني عندما لا يستحضر المرء ذاته العاطفية والحسية والشعورية في مواقف ولحظات يعايشها مع من هم أقل منه قدرا ومنزلةً،أمسكت الخادمة حقائبها ايذانا بموعد الذهاب لوطنها وبدوري رميت بدعوة لرب السماء فوضعتها في عقب تلك الحقائب أن يهدي الله قلبها للإسلام يوما من الأيام.......سعود المحمود

الاثنين، 12 ديسمبر 2011

البخور المغردة والحروف المعلقة


في العاصمة السعودية الرياض،كان هناك مسجد منزوي في أحد أحياء تلك المدينة،كان ذلك الحي مايزال معروفاً باسم حي العُليا وكان اسم ذلك المسجد يعرف بمسجد بدر،فكأن كلا الاسمين قد مثل امتداداً للآخر فكان المسجد كبدراٍ سكن علياء ذلك الحي.كان يأُمُ ذلك المسجد إماماٌ كان ذا شخصية متعددة الجمال،كانت جسد المسجد يعيشُ في ظل إمامته حياة محاكاة متقطعة النظير لألحان صوته الشجي،كانت تراتيل صوته وترانيم صداها تروح وتغدو كلما صدح صوته بقراءة القرآن،كانت جدران المسجد تلقم مع كل صلاة رجيع ذلك الصوت العذب لتسكن في ثناياه وحتى سقفُ ذلك المسجد كأنه يحاكي عند بداية كل صلاة ذلك الإمام قائلاً له: فلتخفف علي أيها الإمام ففخامة لحِن صوتك لا أقدر على مقاومتها فأخاف أن أتصدع من بليغ آيات القرآن الكريم فتتناثر حجارتي.كان ذلك الإمام يرتدي أروع صنوف البشوت المتآخذة في سحر أنسجتها،المتفاوته في ألوانها،فأحدها مندهش في لمعان الذهب والآخر غارق في بحر الفضه والباقي متشعب ببريق خامات ملونه وأخرى مخمليه.كان جو ذلك المسجد تنبعث منه أدخنة البخور الزكية التي كانت تغرد رائحتها في سجاجيد ذلك المسجد حتى بدت خيوطها تحمل زخات عبير تلك البخور.في أحد زوايا ذلك المسجد كان هناك شيخ عجوز يجلس بعد صلاة كل مغرب فيحضر معه دلة القهوة ذات الشذى الطيب وحبات الرطب اللذيذ ويجتمع حوله أصحابه الكبار ونزر قليل من جماعة ذلك المسجد وصبي صغير كان يتولى مهمة صب القهوة.جاء الإمام ذات مرة ليسلم على الشيخ العجوز بعد أن انفض الحضور من حوله فجلس لجواره وأخذ الشيخ العجوز يمسك بخيوط بشت الإمام قائلاً له:إنها خيوط لامعة وملمسها له وقع جمال في يد من يتحسسها،فرد الإمام هل تريد هذا البشت لتتدثر به فيزينك؟ فقال الشيخ العجوز:أوووه هذه مجاملة منك لكن في غير محلها،فأنا عجوز لم يعد يُجدي التجميل فيني،فعقب الإمام بقوله:بل الجمال هو جمال روحك أيها الشيخ الفاضل،فتبسم الشيخ العجوز وطلب من الإمام قائلاً له:أريد منك أن تأتي دوماً لتشرب القهوة معنا،فرد الإمام قائلاً:بودي ذلك أيها الشيخ العزيز لكن!! لكن!! هنا رد الشيخ العجوز:حسناً لقد فهمت،اذن فلتأتي بعد أن يذهبوا،فقال الإمام:إن شاء الله.كان ذلك الإمام يواجه عداءات من بعض جماعة ذلك المسجد ليبتعد عنه،عداءات تولدت بفعل الشيطان الذي زرع الحقد والحسد لأسباب حُملت ما لا تحتمله.ذات مرة وبعد نهاية أحد الصلوات،صاح صوت ذلك الرجل الواقف بين الصفوف!! لقد كان مراقب خاص بالمساجد فردد يقول:من منكم عليه شكوى على هذا الإمام؟ قام الإمام من مكانه مغادراً المكان كجبل تم طعنه فترك دماء كبريائه تنزف على آثار خطاه يغطيها بريق تلك الخيوط وتعزيها قطرات تلك العطور المنسدلة من أثير ذلك الإمام.في أحد المرات كان الصبي الصغير يسير بسيارته قاصداً ذلك المتجر الخاص بالهدايا ليبتاع منه هدية.في أحد ليالي شهر رمضان جاءت رسالة نصية على هاتف الصبي الصغير تقول:من لم يقدرك فلا تقدره،غير أنكم ممن قدرناهم وأحببناهم،ستكون هذه الليالي وداعية لكم وأرجو أن نلتقي على الخير دوماً.في صباح يوم جديد ذهب الصبي الصغير لذلك للمسجد فرأى الحارس يقوم بحمل المقتنيات الموجودة في مجلس ذلك الإمام،لقد انتقل الإمام لمسجد آخر،هنا دخل الصبي الصغير لمجلس الإمام فوجود بقايا أقدام الأثاث والمتاع التي انتقلت مع انتقال الإمام،نظر الصبي الصغير للحائط فوجدت تلك الكلمات المعلقة على وسط الحائط،كانت هي تلك الكلمات التي اشتراها الصبي الصغير من ذلك المتجر الذي قصده ذات يوم فقدمها بالنيابة عن جماعة المسجد كعرفان لذلك الإمام،هنا نزع الصبي الصغير تلك الكلمات من على وجه الحائط وأخذها معه ليحتفظ بها ويسلمها لذلك الإمام عندما يلتقي به فهو نسي أن يأخذها.ذات مرة كان يسير الصبي الصغير بسيارته ففتح نافذته قليلاً وفجأة سمع صوت ذلك الإمام يشدو متغنياً بآيات القرآن! فأخذ الصبي الصغير يقفتي أثر صوته حتى وصل لذلك المسجد الصغير القابع على قارعة شارع التحلية الذي كانت سعاف نخيله تتمايل بجميل ذلك الصوت،لقد كان موعد صلاة المغرب فدخل الصبي الصغير وسلم على الإمام وقام بتسليمه تلك الكلمات التي نسيها معلقة على حائط مجلسه فأخذها الإمام واضعاً إياه في داخل مشلحه المزركش،وأخذ يعتذر لو كان صدر منه تقصير ابان فترة إمامته وأخذ يخبر الصبي الصغير أنه يرغب بالراحة فلا يريد الدخول في تناوش واختلاف يفضي لمزيد من التوتر مع جماعة ذلك المسجد الذين استماتوا لكي يبعدوه،فتأثر الصبي الصغير لكلام الإمام وهو بدوره قال:لقد أهديتك تلك الكلمات في محاولة مني لرأب الصدع الحاصل في جدار ذلك المسجد ولتقريب خيوط المودة بين الجماعة وبينك لكني لم استطع فعل المزيد فلتسامحني أيها الإمام الفخم،فقال الإمام:لا يحتاج أن تعتذر،وطلب من الصبي الصغير أن يأتي دوماً للصلاة عنده،فابتسم الصبي الصغير ثم قال:سوف آتي لكن بعد أن ينصرفون أقصد بعد أن يمضون من جلسة القهوة تلك،كما قلت أنت للشيخ العجوز حينما طلب منك القدوم،فتبسم الإمام من تذكير الصبي الصغير.هم الصبي الصغير بالخروج من المسجد وفجأة عندما خرج سقطت عيناه على اسم المسجد الذي انتقل له ذلك الإمام،لقد كان اسمه مسجد الراوي! تأمل الصبي الصغير وتسائل هل انتبه ذلك الإمام لإسم مسجده وأنه ربما يعني أنه سيكون كالراوي لحكايته من خلال تراتيل صوته عند كل صلاة يغدو فيها صوته ويروح.......سعود المحمود

الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

دموع مرآة وانكسار قلب وعبير موت


ذات مرة كانت تلك الأم جالسة في غرفتها، كانت ممسكة بمشطها الهرم ذي الأسنان المتآكلة لتسرح به شعرها الذي غزاه خريف العمر ورسم بين خصلاته الجميلة تجاعيد الزمان،كانت تلك الأم تنظر لمرآتها وتبتسم،في الطرف الآخر كان ذلك الصبي الصغير يتأمل انعكاس وجه أمه على المرآة،لقد رأى وجه أمه الجميل كالقمر الوضاء في تمام بدره،فجأة وفي لحظة سريعة تغير شكل تلك المرآة فكأن وميضاً أبيض جلس ينبعث ويتوهج منها، عرضت تلك المرآة شريط أحداث حياة تلك الأم التي مازالت مسترسلة في تسريح شعرها دون أن تشعر بأن تلك المرآة تقوم بإعادة سالف حياتها.لم تكن تلك الأم قد أتمت تعليمها الدراسي فتوقفت عند صفوف المرحلة الابتدائية الأولية فلم تنل حظوتها من التعليم فنست كيف هو صوت الكتابة ودقات نبض القراءة، عاشت تلك الأم وترعرعت في بيت متواضع،خجول في بنيانه،عفوي في بساطته،منزوي ومغرورق في نسيج أحد حارات دمشق القديمة المتشبثه في قلب بلاد الشام.في أحد الأيام طرق باب ذلك البيت أحد القادمين من بلاد بعيدة، كانت جدران البيت باردة لكن كأن مشاعر تلك الجدران قد امتزجت وذابت مع صوت تلك الطرقة الحانية، لقد كان الطارق رجُلاً قادم لطلب يد تلك الأم للزواج منها.مضت الأيام وتزوجت تلك الأم من ذلك الرجل صاحب الطرقة الحانية، حزمت تلك الأم حقائبها استعداداً للإنتقال لبلد ومجتمع وحياة أخرى، وقفت ذكريات ذلك البيت جانباً عند غرفة الأم وجلست تخاطبها قائلة: هل سوف نذهب معك أيتها الأم العزيزة أم أنك ستودعينا من عتبة باب هذا البيت؟ فأجابت الأم بقولها: لا بل سوف ترافقونني بدون شك، هيا تعالوا بسرعة وادخلوا في هذا العباءة وإن أحسستم بالضياع فاختبئوا فوراً في ثنايا شعر رأسي فهي آمنة ولن يسرحكم أحداٌ سواي، أسرعت تلك الذكريات بالدخول في جعبة تلك العباءة.جلست تلك الأم تلقي نظرة الوداع لأبيها وأمها وأخيها وقامت عيناها بالتقاط صورة تذكارية لأفراد تلك الأسرة لتحفظها في سجلات عقل الأم.أقلعت الطائرة لتحط رحال خُطى الأم على أدراج منطقة نجد ذات البيئة الحجرية والتربة الصحراوية ورياحها الحارة، أجواء طقس تختلف عن أجواء تلك الديار ذات الهواء البارد والثلج المترامي والأنهار الجارية، لكن تغير تلك الأجواء لم يكن ليغير شيئاً في الطبيعة التكوينية لجغرافية نفس وروح تلك الأم التي تعودت على شقاء البؤس منذ صغرها وحتى صيرورة عمرها.مضت الأيام وجاء طيراٌ مرسال ليخبر الأم بوفاة أبيها، انكسر قلبُ الأم حُزناً على وفاة أبيها وهي بعيدةٌ عنه فكانت تلك أولى الضربات القاسية التي ارتمت دون شعور على عاتق وظهر تلك الأم القوية.في الجانب الآخر وبينما كانت الأم مستغرقة في تسريح شعرها لاحظ ذلك الصبي الصغير أن المرآة بدأ توهجها يخبو ويضعف تدريجياً حتى عادت لكينونتها الطبيعية دون أن تشعر تلك الأم، كانت هناك صورة مستمسكه في زاوية المرآة ومتشبثه بها وفجأة سقطت تلك الصورة! وهنا انتبهت تلك الأم لسقوط الصورة فوقع منها مشطها دون شعور فأمسكت بتلك الصورة قائلة: اللهم اجعله خيراً، في تلك الأثناء رأى الصبي الصغير أن المرآة كانت تلمع! لقد كان ذلك لمعان دموع تلك المرآة! فدموعها سقطت لأن قلبها قد سقط منها، لحظات سريعة تلقت بعدها الأم خبر وفاة أمها فأجهشت في البكاء وكانت تلك الضربة الثانية القاسية التي ضرب معولها روح تلك الأم، سمع الصبي الصغير صوت شيء كان يتشظى ببطئ في انكساره ثم ما لبث ذلك الصوت أن هدأ! لقد كان ذلك صوت انكسار قلب أم كان يعيش في وسط نفس تلك الأم، جلس الصبي الصغير يبتهل إلى الله مردداً تراتيل الدعاء وترانيم الرجاء قائلاً: يا رب أرجوك أن تخفف من وطأة ودوي الأخبار والأحداث على ظهر تلك الأم العجوز، تسارعت الجهود حثيثة لتوفير طائرة عاجلة لترى تلك الأم وجه أمها للمرة الأخيرة لكن صدى صوت تلك الطائرة تاه وضاع في سديم ضباب أججه دخان حزن وألم الأم المكلومه فلم يلحق صوت تلك الجهود بركب غبار تلك الطائرة فماتت الجهود في وسط عاصفة الأسى التي عصفت بآمال الأم التي كانت تتطلع لإشتمام عبير موت جسد أمها الراحلة.لا تحزني أيتها الأم الجميلة،أيتها الأم النبيلة،يا صاحبة المشاعر الجزيلة فهذه هي الحياة تضرب بكافة أشكالها وألوانها دون تمييز واختارتك أنت لأنك جبلاٌ عظيم،أيهم،صُلب لا تهزه رياحُ عاصفةٍ عاتية لتحاول يئساً وعبثاً كسره، ستبقين قوية كشجرة بلوط شامخة ذات ظلال وارفة يقف على أغصانها بلابل لتشدو بأناشيد أمل وتحلق حولها طيور أشواق فهي لأجلك أنت تنساق، ستبقين قوية كما عرفك صبيك الصغير......سعود المحمود

الأحد، 27 نوفمبر 2011

وجـــه مـــوت على جبين سنــة جديدة

استيقظت صباح هذا اليوم على أصوات رياح حزينة منبعثة عبر نافذة غرفتي المفتوحة وكذلك بدت تلك الأشجار الواقفة في حديقة منزلنا والحشائش بدت صامته، كان جسد فراشي كما لو أن جراحاً ألمت به لكني لم أشاهد منظر نزيف دماءه لكني كنت أشتم رائحة تلك الدماء وأسمع حسيسها وهي تنزف، هنا أضاء نور هاتفي الجوال فكان نوره خافتاً شعرت أن صوته بدى مبحوحاً من غصةٍ ألمت به فكأنه يشير إلي أن تعال وأمسك بي فلقد شرق حلقي فلم أستطع مناداتك ورفع صوتي بالصراخ،تعال يا من تدعي وصل ليلى بالكتابة،تعال أيها القلم النبيل لتعزف سيمفونة حزناٍ أصيل وألحان قيثارة ضاقت حبال صوتها، العليل،تعال لكي ترتجف أركانك وترتعد فرائصك عندما أسمعك رنين وقرع حروف الموت وحبائله التي ستلتف حول قلمك الهزيل.اقترتبت من جسد هاتفي،ما أن لمسته يدي حتى شعرت ببرودة أطرافه لا أدري هل كانت تلك الجدران الباردة هي من أرسلت ببرودتها لجسم هاتفي البارد أم أن برود مشاعر أصابتني فنقلت عدواها لجسمه النحيل.أمسكت بذلك الهاتف جيداً فلقد كان يرتجف من تلك الرسالة التي وقفت جاثمة على صدره المتشظي حزناً وكمداً فكأنما حممه الثائرة الحزينة لم تنفجر في وجهي مباشرة إلا بعد أن تحكم قبضتها على قلب ذلك الهاتف وتأخذ نصيبها من قلبه الإلكتروني الذي عانق بين سجلاته رقم شخص أحبه،هنا أصبح الهاتف جثة هامدة لا حراك فيها ربما احتاج لإعادة شحن كهربائي!! لا بل ربما لعملية صعق كهربائي تعيد له موجات الحياة،لكنه لم يجب نداءات تلك الصعقات الكهربائية رغم أني كنت أضغط على قلبه الميت، هنا قرأت تلك الرسالة التي وصلت كخنجر لا يرحم توسط قلب ذلك الهاتف،فكانت رسالة نعي وعزاء من ابن جارنا القديم في الحي الذي أقطن فيه،ذلك الشيخ الذي كتبت عنه ذات مرة في هذه المدونة تدوينة بعنوان-حياكم الله بين المغرب والعشاء-فجاءتني رسالة ذلك الابن ينعى فيها والده الشيخ،بعد أن قرأت حروف رسالة الموت،اشتغل فجأة شريط تلك الذكريات الجميلة التي ارتبطت فيها مع ذلك الشيخ العجوز،استجلبت ذاكرة العقل الإلكتروني ذكريات ذلك المسجد الذي كنا نجلس فيه سوياً مع ذلك الشيخ وأصحابه،نشرب فيه تلك القهوة التي كانت خيوطها تنسدل كوميض شمس براقة ما تلبث أن تشرق ثم تخبو،وحبات الرطب المُجعد ذا اللون الذهبي تشبه قطعة حريراً مزركشة جميلة رغم تجعدها،لقد جفت منابع مياه تلك القهوة فأضحت اليوم جافة متيبسةٌ تربتها وذلك الرطب أضحى صلباً قاسياً بعد وفاة صاحبه.كانت المرة الأخيرة التي زرت فيها ذلك الشيخ العجوز قبل نحو شهر،زرته في بيته بصحبة جارنا،بدى وجهه حزينا كأنه قمراٌ إرتسمت على وجنات وجهه الأبيض دموع سوداء،كان صاحب روح مرحة من النادر أن تكون حاضرة في رجل شارف عمره المائة عام،بدى هادئاً عند زيارتنا له،فجلست أنا وجاري نسامره ونتجاذب معه أطراف الحديث وعندما حان وقت ذهابنا قال لي:خذوني معكم!! لم يفهم جارنا مقصد الشيخ من تلك الكلمة وعندما أرخيتُ أذني قليلاً نحو ذلك الشيخ فقال لي:أريد يا سعود رؤية الشمس والخروج من المنزل!! لم تكن حالته الصحية تسمح له بالخروج كثيراً،هنا قلت له:لا تقلق سأحاول أن آتي بالشمس لك،سأرسمها أو أكتبها لتراها وتتحسسها لكني أخشى أن تكون أشعتها حارة فلا أستطيع الإتيان بها فتبسم ضاحكاً من قولي،فكانت ابتسامته كالشمس في اشراقتها.كان جُل وقته يقضيه في قراءة القرآن فيقطع صفحاته تلاوة وتدبراً وكان يعتذر لشباب هذا اليوم الذي ضاع وقته عن القراءة بشكل عام فيقول:هم مشغولون فتجد فلان مرتبطاٌ مع أهله وآخر في عمله وهكذا،كان ذا نفس وثابة متفائلة رغم تفتق جراح عمره المديد والتي ما تلبث أن يتفتح بعضها حتى يضمد هو بنفسه تلك الجراح بابتسامة رضى وصمود أمل في وجه الحياة القاسية،كان يحثني بشدة على الكتابة فكان هو أول من استسقيت منه أولى جرعات هذا النهر النمير،كان يقول إن الناس يحبون الكلمة الطيبة فمشاعرهم وأحاسيسهم قد تمرض لكنها لا تموت أيها الإبن العزيز،ربما كان يقصد ذلك الزمن الجميل الذي عاش هو فيه،وربما كان يقصد أن لا أنظر لوقتنا الحالي بظلامية ويأس وأن الخير موجود متى ما توثبت النفس الصامدة المتحررة من من عباءة التشاؤم والجهل الذي ضرب أطنباها لكي تمسح سواد ظلام وضياع قد ألقى بظلاله على فرد وأسرة ومجتمع،هكذا كان رسم كلماته لي ولكل من عرفوه،كلمات كبياض سماء مهما لبدتها الغيوم الكالحة بسوادها فهي ما تلبث أن تُرعد لتمطر وابل زخات مطر صافية عذبة،هكذا كان ظاهر تلك الكلمات التي تشُع أملاً وتفاؤلاً.يبكيك مداد التعبير أيها الشيخ العجوز،يبكيك بياض الورق الذي سودته حروف الحزن والفراق،يكبيك صوت الحبر الذي أصبح اليوم حزيناً وسيُمسي حزيناً حتى يواريك الثرى،يبكيك ذلك القلم الذي يتراقص ثم ما يلبث أن يترنح كذئب يعوي في ظلمة ليل دامس حزناً على رحيل كل ذي شيبةً وكبير سن شابت لحيته،ونحلت عظامه ليرسم صوراً من العقل الرشيد والرأي السديد لمن حوله،جزاك الله خيراً أيها الموت عندما تذكرنا آخرتنا التي مهما ركضنا في مطاف هذه الحياة وسعينا في مسعى ذلك الحطام فنحن يوماً من الدهر ماضون وسائرون نحوك،وسامحك الله أيها الموت عندما لا تمنحنا فرصة أخيرة ولو لسويعات لقول كلمة وداع لوشعور ملتاع لمن كان لهم الأثر البالغ في مسيرة معتركنا الحياتي.رحمك الله أيها الشيخ العجوز وغفر لك ورحمنا برحمته الواسعة ووالدينا وجميع المسلمين أحياء وميتيين.......سعود المحمود

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

يا خنجر النصر رفقاً بنزيف الخصر

عندما يكون الحديث عن نادي لم يبقى منه سوى أطلال جدران ماضي تشرق وتغيب عليها خيوط أشعة شمس لجمهور لطالما اغرورقت ثنايا قلبه وشغاف روحه في مزيج هذا النادي، هنا سيكون الحديث ذا مناحي متشعبة كتشعب مشاعر تلك الجماهير،لا جديد في مسلسل التدحرج الهزائمي والسقوط المريع الذي سجل وما زال يسجل على جبين هذا النادي، فلقد عرفت جماهير ذلك النادي كيف يكون طعم البؤس ولون الحسرة وشكلالطعنة الذي كان ومازال وسيبقى لأجل غير معلوم يدون في كتاتيب ويؤرخ في أراشيف نادي النصر وذاكرته العقلية.بداية عاماٍ ثالث تمضي من عمر ادارة نادي النصر، تتواصل كلمات الوعود و تُنسج خيوط العهود وتُرسم باقات الورود لصناعة فريق لدود مازال قابعاً وسط أخدود فأضحى كحملاٍ ودود.لم تكن للحظةً مشكلة نادي النصر الأزلية تنحصر في وجود مورد مالي ثابت بل كان العائق الرئيسي للنادي هو غياب تلك البنية العقلية التي ترتكز عليها أفكار البناء النفسي لتترجم لواقع عملي، لا يُنكر لإدارة النادي جهودها في جلب لاعبين للفريق لكن وحده الوعي والنظرة الثاقبة في عملية اختيار تلك العناصر كانت غائبة فأصبحت تلك الجهود خجلى لم تسعف في خلق نتائج بل كانت كإبر مخدرة ومسكنة لم تنجح في تضميد جراح أمل ببناء فريق أول قوي واستثمار مكامن القوة في درجاته السنية.دخلت ادارة النادي في حرب التصاريح واللعب على أوتار قضايا أندية لم يكن لنادي النصر فيها ناقة أو جمل، فخلقت العداء لنفسها و زرعت كراهية النادي لدى الغالبية من الأندية، أججت نيران البغض للنادي، دخلت في مهاترات مع نادي الهلال و ذريعة سطوته وتملكه للإعلام الرياضي وتشكيكها في بطولاته ففاتها قطار التفكير ببناء قوة اعلامية مثالية تضفي لها بريقاً وتناست كيف تعمل على ردم عيوب النادي ونقصه وخلله، كان لها ومايزال في أندية الإتفاق والفتح والفيصلي أسوة حسنة في النجاح حيث أن تلك الأندية ليس لديها ذلك المورد المادي كنادي النصر لكنها عرفت ماهية التكوين لروح فريق قتالي وطريقة غرس التفاني و رسم الإخلاص للشعار في نفوس لاعبيه. هكذا أنت أيها النصر ضاعت ملامح هويتك بعد وفاة أبيك المحب لك عبدالرحمن بن سعود-رحمه الله-الذي أحبك بصدق مشاعر أبوة في وقت ادعى الآخرون أبوةً زائفة لك أيها الأصفر الحزين، لن يعود مجدك إلا عندما يعود ابنك الماجد الذي صنع مجدك وأحرق شباك خصومك،لن تقوم لك قائمة إلا برجوع سهمك الملتهب لعرينك الأصفر فهو ابنك العالم والعارف ببواطن أسرارك وأحزانك وأفراحك في وقت رفضت آذان مسؤوليك سماع من أرادوا لك خيراً ونصحاً مدعيّن أنهم محاربين لك، مهلاً يا خنجر النصر فلقد أدميت خواصر جمهورك العاشق لك فماذا أنت فاعلاٌ بها..!
سعود المحمود

الخميس، 24 نوفمبر 2011

أنا أحبه لكني أحبك أكثر يا أبي؟

ذات يوم سلم المرشد الطلابي لطالب الثانوية ورقة تحديد التخصص الدراسي،أخذ الطالب يتأمل تلك الورقة،هو كان متيماً بالقسم الأدبي لكن أباه أراد أن يراه لابساً ثياب القسم العلمي،في الليل جلس الولد الصغير بقلبه الأدبي المرهف ينتظر والده ليخبره بشأن ورقة اختيار التخصص لكنه تأخر فوضعها على مكتبه وذهب لينام،في الصباح استفاق الولد على مغازلة أشعة شمس داعبت عينيه،وجد الورقة تحت باب غرفته فكانت المفاجأة أن أباه اختار له التخصص في القسم الأدبي،طار الولد فرحاً وتراقصت أساريره،لكن مهلاً فقد لاحظ الولد شطباً كان موجود في تلك الورقة!عرف الولد أن أباه اختار له التخصص العلمي ثم عدل عن خياره فمحاه وأعاد اختيار التخصص الأدبي،سقطت دمعة بريئة من عين الولد الصغير على مربع خيار التخصص الأدبي ليعيد اختيار التخصص العلمي الذي أحبه الأب لإبنه،تخرج الولد من المرحلة الثانوية وكان والده يظن في ذلك الوقت أنه كان يدرس في القسم الأدبي،فعلم لاحقاً ما كان يخفيه ولده عنه،ذهب الأب لمصارحة ابنه قائلاً له:لماذا أخفيت عني حقيقة الأمر فلقد كنت أظن أنك تدرس في القسم العلمي! لم أفكر لحظةً أن أزور مدرستك لأني كنت مطمئناً أنك ستكون مجتهداً مرتاحاً في التخصص الذي لطالما أحببته!،كانت تلك نبضات ذلك الحوار الحميمي العاتب بين الأب وابنه،في تلك اللحظة طلب الأب تفسيراً من ابنه لكذبه عليه طيلة تلك الفترة،هنا تكلم الولد قائلا:أبي أنا لم أكذب عليك بل ضحيت لأجلك! فدهش الأب من ذلك! فأخرج الولد صورة من ورقة التخصص الدراسي والتي قدمها سابقاً لوالده عندما أراد استشارته في تخصصه الدراسي فقال له:أبي أنت كنت تحب أن أدرس في القسم العلمي أليس كذلك؟ فأجاب الأب بنعم لكن يا بني أنا قمت باختيار القسم الأدبي لك في ورقة الإختيار فأشار الولد لأبيه على الشطب الموجود في تلك الورقة وعندما أمعن الأب في ذلك الشطب والذي عدله واختار في مقابله القسم الأدبي لإبنه،في تلك اللحظة لمع بريق دموع في عيون الأب فسكت حينها وسأل ابنه لماذا فعلت ذلك الشيء يا بني؟ أولست تحب الأدب والقسم الأدبي؟ فرد الإبن قائلاً: نعم يا أبي أنا أحبه لكني أحبك أكثر يا أبي..!

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

مشهد حياة موت على تراتيل الشيخ عبد الرحمن السديس؟

استقبلت بسرور متآخذ في بهجته نبرات صوت ابنها القادم كقطرة ماء عذبة من فيض السماء سقطت على قطعة حرير مسترسلة في نعومتها بعد انتظار طال فيه الشوق لذلك المولود الصغير،تمنت تلك الزوجة أن يشاركها زوجها فرحة قدوم ذلك الطفل في لحظة سعادة انسانية تكون أيدي الفرح بين الزوجين متعانقة كما هي العادة أن تكون مشاعرهم متصافحة كذلك،لكن ذلك الزوج رمى بها في أدراج النسيان لردحاٍ من الزمن في بيت أهلها تحاكي جنينها الصغير بين جدران غرفتها الباردة وشرفة نافذتها المفتوحة والتي تطل منها ورقة شجرة.كان لتلك الزوجة شقيقاٌ أصغر كان دوماً يصف لها كيف يكون طعم ولون البؤس فهو يخرج أجمل موجودات مختبئة في ظلال نفس الإنسان،كان ذلك الأخ يحدث تلك الأخت عن تلك الورقة المطلة على نافذتها فيقول:انظري أيتها الأخت لتلك الورقة فهي في الشتاء تعيش في جو بارد وتواجه هواءاً شديداً لكنها تبقى صامدة قوية،وفي الصيف تواجه أشعة الشمس الحارة فتشرب من ماء عرق جبينها لكي لا تذبل،كوني مثلها لتعيشي قوية.ذات مرة أصاب ذلك الطفل تعباٌ شديد ألم به،هرعت تلك الزوجة تطرق باب شقيقها لكنها كانت تطرق باب قلبها خوفاً وقلقاً على تعب صغيرها،ذهبت الزوجة مع شقيقها إلى المستشفى فتم تنويم ذلك الولد الصغير في تلك الحجرة الزجاجية الصغيرة،بدت تلك الحجرة كقطعة ألماس يشع نورها بسبب ذلك الطفل الجميل،جاء الطبيب يُجر خطى تقاسيم وجهه الحائرة بين شواربه السوداء والبيضاء فسكت برهة،علم ذلك الشقيق أنه يخفي أمراً ما على حمرة لسانه،فتحدث الطبيب قائلاً:هذا الطفل الصغير قد لا يعيش كثيراً فقلبه مصاباٌ بالضمور!! حزنت تلك الزوجة وتشظى فؤاد قلبها على مرض قطعة لها وفلذة كبدها، فأخذت تقول للطبيب:أعد تشخيصك لطفلي خالد أيها الطبيب فقد تكون مخطئاً؟
كان اسم ذلك الطفل خالد وكذلك بقي خالداً في تلك الحجرة الزجاجية لأيام قادمة.صباح اليوم التالي ضج قلب رنين الهاتف فعم صراخه مسامع المنزل فأسرعت تلك الزوجة الساهرة على شفاء ولدها فأجابت على الهاتف!! كان تنهيدات صوت الطبيب تسبق عبراته فقال لتلك الزوجة: ابنك ينازع الموت فأنصحك بالمجيء لرؤيته.ذهبت تلك الزوجة يرافقها شقيقها مسرعين نحو المشفى فكانت تلك الزوجة تتحسس صوت نبضات ابنها طيلة مشوار الطريق،بدت مسافة المسير لمشفى الحرس الوطني بعيدة متثاقلة في تلك الساعة،وصلت تلك الزوجة للمشفى فأسرعت تسارع نبضات قلب ابنها دون هوادة،وصلت للغرفة التي يرقد فيها ابنها كان في داخل الغرفة حجرة زجاجية أخرى سكن فيها قلب الطفل الصغير بعد مده بأنابيب انعاش قلبية، جلست تلك الدموع الشفافة تنهمر من مقلتيّ الأم الثكلى فامتزجت مع لمعان الحجرة الزجاجية التي يسكنها الطفل الصغير فكان ذلك المشهد كالمعان ألماس مع بريق دموع، كان يقف شقيق تلك الزوجة على مقربة من باب تلك الغرفة،بدى صامتاً مسرفاً في تأمله لمشهد حياة موت ذلك الطفل، كانت ألحان تراتيل صوت الشيخ عبدالرحمن السديس تُضج روحانيةً في أركان الغرفة،كانت أصابع الطفل تتحرك رويداً رويداً،فجأة توقف صوت شريط الشيخ عبدالرحمن السديس عن الترتيل وتوقفت معه أصابع الطفل عن الحياة.......سعود المحمود

الخميس، 17 نوفمبر 2011

منبر الجمعة لا منبر المنعة

من جعل من الدين عبئاً عليه وتضييقاً لشمولية الفكر والرؤية فهو بالتالي سيزيد الخناق على عقله لإستيعاب ما حوله.لا ينكر أحد ذلك التخدير العقلي الذي عشناه في عموم مراحلنا الداسية والذي كان عبارة عن حشو معلوماتي فكانت المعادلة الدراسية لأولئك الطلاب هي الحفظ ثم الحفظ ثم الحفظ فلا شيء سواه فكانت سياسة الحفظ شاملة لجميع المواد فنتج بالتالي نسيان كلي لمسمى العقل الذي كما أن من وظائفه الحفظ فهو أيضا لديه وظائف أخرى من بينها الفهم.منبر الجمعة،أداة مهمة لها دورها الفعال في دفع حركة الفرد والمجتمع،ربما ونقول ربما لو كان كلامنا خطئا أن ذلك المنبر لم يتم إستغلاله بالوجه الأمثل والأكمل،فلم تبرح خطب الخطباء التي تعلو منابر الجمعة عن عباءة معينة من المواضيع والتي حفظناها لتكرار سماعنا لها فنسمع الخطب الدينية التي تتحدث عن الجنة وعن النار والزهد والخطب التي تتحدث عن المجتمع كالطلاق وعنف الأسرة والكثير من تلك المواضيع المشابهة التي تدور في فلك واحد فما تزال تكرر على مسامعنا حتى أننا نجزم يقينا أننا حفظناها عن ظهر قلب أكثر من حفظنا لكتاب الله عز وجل.العقل له مكانة سامية في الإسلام والقرآن،قلما سمعنا تلك الخطب التي تتحدث عن ضرورة تنمية العقل وتوسيع مدارك التفكير والتأمل الفكري والتعمق الفهمي بل قد تكون نادرة تلك الأوقات التي سمعنا في خطب تخصص لذلك الشأن،فنجد أنفسنا نستمع في خطب الجمعة لتلك الأشياء وذلك الكلام الذي نسمعه في مدارسنا وهنا فهمنا للمرة الأولى والأخيرة أن نفهم ما حفظناه.مادة الرياضيات التي تعتبر رمز تحريك وجسد محاكاة لخلايا العقل أضحت هي الأخرى صنفا من صنوف الحفظ فحفظنا أن الواحد واحد والإثنان إثنان فلم نعرف أن نفهم أن الواحد واحد والإثنان إثنان وهكذا.قد تكون مسألة أن نستمع لخطب جمعة تتحدث عن مكانة العقل وضرورة التفكير غدت كشأن الخطب التي تتحدث عن المسيح الدجال والذي من علامات ظهوره هو ندرة ذكره على منابر الجمعة....سعود المحمود

السبت، 29 أكتوبر 2011

مجتمعون في إنتظار ونائم يكتب أعذار..!

في البيت:
 
 
عدت من العمل في تمام الساعة السادسة تقريبا،دخلت فوجدت طعام غدائي قد أعدته أمي كالعادة ووضعته لي على المائدة((شكرا أمي،أقلقتك البارحة))،تناولت طعامي سريعا،إتجهت لغرفتي وشغلت جهاز الحاسوب،لقد أعمى ضوء شاشته عيناي المتعبة من عناء يوم عمل،كانت هناك رسالة في البريد الوارد،إنه صديقاٌ لي يقول:بعد السلام:أخي سعود كيف الحال،اليوم لدينا إجتماع بالأخص الساعة 9 مساءاً نتمنى حضورك للأهمية، فأجبته:حسنا أخي الكريم سأحرص على الحضور بالطبع
 
 
في المسجد:
 
 
الساعة السابعة والربع،أديت صلاة العشاء وبعدها توجهت صوب باب المسجد للخروج وفجأة فجر مسامعي صدى صوته وهو آتي من بعيد ينادي بأعلى صوته:سعووووووووووود!! وناظرت لصاحب ذلك الصوت،إنه جارنا جاء يلهث مسرعاً نحوي،كيف حالك يا سعود؟ أين كنت في الأيام الماضية؟ لم أرك فيما سبق؟ و و و....سيلاٌ من الأسئلة ألقاها علي دفعة واحدة،أيهم سأجيب وأيهم سوف أبدأ به؟حسنا يا سعود تفضل معي في بيتنا لشرب القهوة وتناول الرطب،إمممم حسنا باقي زهاء الساعة وخمس وأربعون دقيقة على موعد إجتماعي مع صديقي وسألبي دعوتك يا جارنا العزيز
 
 
في الشارع:
 
 
وبينما نحن ذاهبون أنا وجاري متجهين صوب منزله للدخول،رن فجأة هاتفي الجوال!! إنها رسالة نصية جاء فيها: السلام عليكم((كان صديقي دكتور الجامعة))أرجو أن يكون الخطاب الذي طلبت منك مساعدتي في كتابته جاهزاً،فضلا قم بعمل مسح ضوئي له وأرسله عبر الإيميل!! هنا قال لي جارنا هيا يا سعود تفضل ما بالك تبدو ساكنا لا تتحرك،تلعثم وجهي وسكت لساني!! فإعتذرت منه عن الحضور وأخبرته بالأمر فقال لي أرسلها لصاحبك لاحقا،فأخبرته أني سأضطر للعودة إلى العمل لأني نسيت ذلك الخطاب في مكتبي،فقال لي:دقائق قليلة يا سعود لن تأخذ من وقتك،أخبرته أنه ليس هناك متسع من الوقت،فلدي إجتماع بعد ساعة وأربعين دقيقة من الآن،وأيضا الوقت الذي سيستغرقه ذهابي إلى عملي لكي أخذ خطاب ذلك الدكتور وأقوم بعملية إرساله لإيميله،كلها ستأخذ وقت مني،أعدك أن أزورك لاحقا بعد فراغي من تلك الأشياء،حسنا ياسعود سوف أنتظرك بعد فراغك وسوف تنتظرك تلك القهوة المسترسلة بخليطها الذهبي كما تصفها لي،وسوف تنتظرك تلك الرطيبات المجعدة الشكل كما تصفها لي أيضا،حسنا أيها الجار سوف لن أنسى إن شاء الله



في العمل:
 
 
ترجلت من سيارتي مسرعا صوب المصعد،جلست أضغط على زر المصعد بكل قوة لكي ينزل،يا إلهي لا يوجد أحد سواي في هذا الوقت وحارس الأمن،فلماذا يتأخر المصعد دوما في نزوله.هممت بسرعة كسرعة الرياح العاتية متجها صوب مكتبي،فتحت جميع أدراجي بحثا عن الخطاب الخاص بالدكتور،حمدا لله لقد وجدته،سأقوم بإرساله،حسنا باقي على الإجتماع قرابة الساعة وثلاثون دقيقة،لامانع من إلتقاط أنفاسي لقليل من الوقت،ذهبت لإعداد كوب من القهوة ليطير مابي من خيوط النعاس التي ما تزال متشبثة برموش عيناي،هذه المرة سأعد تلك القهوة بنفسي،حيث أن العامل لم يكن موجودا وقتها،آلة تسخين الماء ستحتاج لوقت كي تسخُن،أخرجت الفنجان وصببت عليه من صنبور الماء وقذفت البن بداخله،قهوة باردة!! لا مشكلة فهي تماما كبرودة تلك الأعمدة والجدران في مكتبي حينما أمرر راحة أصابعي عليها والسبب في برودتها هو ذلك التكييف المركزي المجنون في نسماته الباردة فقد تفحم لساني وأنا أخبر عامل التكييف أن يقوم بصيانته.ذهبت صوب المكتب لأقوم بإرسال ذلك الخطاب لصاحبي الدكتور،فجأة سقطت عيني على ذلك الكتاب المعانق لمكتب صديقي في العمل!! أوووه كان عنوانه جميل((كيف تكتب رواية))يا للصدفة فلقد كنت أبحث مؤخرا عن كتاب يساعدني في هذا الجانب،حسنا باقي الآن قرابة الساعة وعشرون دقيقة على موعد الإجتماع سأقرأ مقتطفات سريعة منها،حسنا تعال معي أيها الكتاب لنذهب ونجلس سويا على كرسي المكتب لنقرأ بعضنا سويا وفي الوقت نفسه نقوم بإرسال ذلك الخطاب لصاحبنا ومن بعدها نمضي لإجتماعنا مع صديقي وأخيرا تلبية دعوة جارنا في الحي
 
 
في المكتب:
 
 
سعود..سعود..سعود..إستفق قم!! أوووه ماذا؟ لقد كان ذلك الشخص حارس الأمن،أوووه ماذا حصل؟ حارس الأمن: لقد وجدت الأنوار والأبواب مفتوحة فإستغربت وجودك هنا!! أوووه يا إلهي الساعة الآن تشير للثانية والنصف ليلاً!!!!!!! يا إلهي،لقد غلبني النعاس عند قراءتي لذلك الكتاب الذي جثم على صدري فلم أشعر بنفسي
 
 
في البيت:
 
ذهبت مسرعا قاصدا سيارتي للعودة للبيت،نسيت هاتفي الجوال أيضا في سيارتي،أخرجته بسرعة،إتصالات ومجموعة من الرسائل كانت من جاري يعتب على تخلفي عن المجيء،وأخرى من صديقي الدكتور يعتب على تأخري في إرسال الخطاب،و إتصالات كوابل رصاص يخترق الفؤاد فكانت من أمي.عدت مسرعا صوب البيت دقات قلبي تسابق عجلات سيارتي،دخلت للبيت وجدت أمي تتتظرني فقالت لي موبخةً إياي: لماذا تأخرت ولماذا لم تجب على إتصالاتي؟ فشرحت لها الأمر بكامله من الألف إلى الياء وإعتذرت لها عن القلق الذي تسببت فيه،فقالت لي: حسنا إن كان كذلك،طعام العشاء في إنتظارك،يا إلهي لقد أصابني بمقتل وزلزل جنبات نفسي رد تلك المرأة،قلق عاشته في ذلك الوقت وبعد كل ذلك أسمع تلك المقولة منها: طعام العشاء ينتظرك،من أي كوكب جئتي يا أمي،يا لعظمة الأمهات،سوف يخسأ أي قلم يفكر مجرد تفكير أن يكتب عن حجم العاطفة الجياشة التي تسكن نفسوهم الطيبة المتدفقة في عطائها،مسكين أنت أيها البخل فسيبقى عدوك اللدود كرم أولئك الأمهات......سعود المحمود