حزن أم وبر ابن
الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد،الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا،كانت تلك هي تراتيل الأدعية التي سمعها الطفل الصغير بعد فراغ الامام من أداء صلاة العيد،جلس الطفل في غرفته ينظر متأملا لشماغه الأحمر الذي بدت خيوط أنسجته كحبات توت صغيرة تنتظر دفء رأس لتنضج وثوبه الأبيض الذي شابه وجه حليب صافي ولُب ساعته ذات التصميم الهندسي المتناسق في احداثياته وحذائه الذي كان كجلد تمساح قوي ومتماسك عندما يخطو على الأرض،لبس الطفل ملابسه وأخذ ينتظر مجيء المهنئين بالعيد السعيد،ذهب لمجلس بيتهم يتحسس أصوات رياح الوافدين الذين ستحط أقدامهم مدرج البيت لتهنأ بحلول العيد،وجد الطفل أنواع الحلوى كانت تتراقص داخل لباس القراطيس لتغري أعين الأطفال على نزع ملبوسها ولتغوي أفواههم على أكلها فأشعل الطفل نور المجلس فهدئت الحلوى عن الرقص وأخذت تتمايل خجلى بين السلال التي كانت تنزوي خلفها.سمع الطفل صوت سيارة أبيه المرسيدس والتي كانت تكح لتخرج غبار سباتها ولتفتح رموش عينيها ايذانا ببدء نشاط العيد،رأى الطفل أباه يضع متاعه داخل جسد سيارته فتحدث الأب قائلا لإبنه:هل تود مرافقتي عند جدتك لنقضي عندها العيد أم أنك ترغب في اللعب مع الأطفال؟
الطفل:يبدو أن الأطفال سيتأخرون عن الحضور يا أبي،سأذهب معك لكن هل يوجد أطفال ألعب معهم؟
الأب:نعم يوجد أطفال وإن رغبت أيضا يوجد ألعاب ستلعب معك.
مضى الطفل مع أبيه في طريقهم لمحافظة حوطة بني تميم التي كانت محوطة لدى وصول الطفل ووالده لبيت الجدة بشذى مزيج القهوة و عبير فصوص الهيل وقطع الكعك الذي اختبئت بداخله حبات الكرز فلم يظهر سوى رأسها.طرق الأب باب بيت أمه الذي كانت التشققات تحيط بسطحه كالتمزقات التي تحيط بشفاه الانسان فأجاب الباب بالدخول بعد أن فتحته تلك الجدة.أخذ الأب يقبل يد ورأس أمه وينأها ويبارك لها بالعيد،استلت الجدة من حافظة نقودها المسنة مائة ريال لتعطيها كعيدية لحفيدها فسر الولد وطارت أساريره فرحة وقضى مع والده أيام وليالي ذلك العيد.ذات ليلة ساكنة في ظلامها دخل الأب لبيته مرهقا يتحسس قلب أمه الذي سكن أحشاء روحه فبدأت نبضات قلبه بالأنين فهرع له أبناءه فنقلوه للمشفى فاستكان قلب الأب بعد أن كان يتفطر على شغاف فؤاد أمه.غصت معدة غرفة الأب بالزائرين من أقاربه الذين غابوا عن ملامح ومشهد وجهه ردوحا من الزمان فقدموا لزيارته،حنت شرايين روح الأم وافتقدت لتدفق دماء ابنها عبر فمدت وريد الاتصال لتطمئن عليه وتتفقد حاله فقالت:كيف حالك يا ولدي فلقد قلقت عليك؟
فأجابها الابن قائلا:أنا بخير يا أمي مادمت أسمع صوتكِ.
فأنشدت الأم:لكن نعومة صوتك تبدو مضطربة،هل تشكو ألم يابني؟
فأجاب الإبن:لا يا أمي ليس بي إلا كل صحة وعافية.
فتنهدت الأم قائلة:الحمدلله أقررت عيني وأرحت نفسي بكلامك،لكن قلبي مايزال قلقا عليك.
فأجاب الابن:لا تخافي ونامي قريرة العين مطمئنة البال يا أمي.
فقالت الأم:حسنا يا بني حفظك الله في سربك.
مضت الأيام يمزق بعضها بعضا وفاضت روح الابن لبارئها وعندما علمت الأم بوفاتها كان حالها قد أنشد شعره فيقول فيه:
يا وليدي كنت تشد رحالك
يم حوطتي في السنة مرتين
وهالحين برثي في غيابك
عن حوطتي في العيد دمعتين
هنا تحولت تلك الجدة العجوز ذات الوقار والهيبة لطفلة بريئة تذرف دموعها حزنا على رحيل حياة ابنها البار قبل رحيلها هي.......سعود المحمود